تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبعد، فإن الكاتب، كما رأينا، ينفى أن يكون القرآن معجزا. ورغم ردى بالدليل الحاسم الجازم الساحق الماحق على كل ما سطره من سخف فإنى أود أن أضيف شيئا مهما حاسما فى هذا السبيل. إنه المقارنة الأسلوبية بين القرآن الكريم والحديث الشريف، وهو ما سبق أن اضطلعت به فى كتابين لى ظهرا منذ مدة طويلة، وهما "عشر لآلئ من الحديث النبوى الشريف" و"القرآن والحديث- مقارنة أسلوبية". وقد تبين من الدراستين أن الأسلوبين مختلفان تمام الاختلاف بما يدل على أن محمدا لا يمكن أن يكون هو مؤلف القرآن على عكس ما يرمى إليه عِبْس الأعباس، الماشى من غير لباس، فى كتابه الهزيل الموتور الذى تنصل منه قبل أن يخرج إلى النور تصورا منه أنه سوف يهد الدنيا فزعم أنه مات، فإذا بأحلامه تطيش، وإذا بكذبه وادعائه الموت قد طلع فاشوشا. وإذا كان واحد مثلى قد اهتم بالرد على الكتاب رغم هذا فتلك خطتى: ألا أترك شيئا دون ردٍّ خدمة للأجيال القادمة حتى لا يقال يوما إن المسلمين قد عجزوا عن الرد على كتاب يهاجم القرآن، وذلك بغض النظر عن قيمة الكتاب العلمية. وعلى أية حال فقد عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن أو آية منه. وسواء بعد هذا أكان سبب ذلك هو أن الله صرفهم عن المحاولة كما يقول بعض علماء المسلمين من أهل الاعتزال، وهو ما لا اوافقهم عليه أبدا، أم كان سببه العجز الذاتى لأن مسامتة البشر لربهم أمر مستحيل تمام الاستحالة. أما زعم العبس أن كتابات ابن المقفع والجاحظ والعقاد وطه حسين أفضل من القرآن فليبلَّه وليشرب ماءه عقب الاستيقاظ صباحا حتى تطرد الشربة الديدان التى تعيث فى مخه فسادا، فقد يستطيع أن ينقذ شيئا من مخه المثقَّب المتهرئ من كثرة ما عاث فيه دود البَلَه فسادا، وإن كنت أشك فى ذلك على طول الخط. وعلى كل حال فقد رددنا على هذه الدعوى بما سحقها وذرّاها فى اليمّ.

ومن ناحية المقارنة الأسلوبية بين القرآن والحديث نجد أن هناك ألفاظا تتكرر كثيرا فى الأحاديث النبوية، فإذا ذهبت تبحث عنها فى القرآن لم تجد شيئا، مثل الزبد والجبن والنبيذ والبُسْر والدقيق والسمن والتمر والفَطُور والعَشَاء والسَّحُور والشبع والرِّىّ والرداء والإزار والبُرْد والبرنس والمُشْط والكحل والطيب والخضاب، وكل أيام الأسبوع ما عدا السبت والجمعة، وكل الشهور ما عدا رمضان، وكل فصول السنة، وكذلك المقاييس كالذراع والشبر والباع والفرسخ، والموازين كالأوقية والرطل، والمكاييل كالصاع والمُدّ والقدح، والبادية والفلاة والصحراء والرمال والتلال، والحسب والنسب، والعِرْض والشرف، والجيش والسرية والقوس والسهم والسيف والنبال والنية والتشهد والخطبة والأمير والبأس والتميمة والحُمَّى والخادم والداء والدواء والرُّقْية والعُرْس والشبهة و الحُجّة والمَظْلَمة والعافية والغش ...

وثم ألفاظ وردت فى القرآن مجموعة، وفى الحديث مفردة، والعكس بالعكس، مثل "أرض" التى لم ترد فى القرآن إلا مفردة، بينما وردت فى الحديث مفردة ومجموعة أيضاـ وككلمة "إصبع"، التى لم ترد فى القرآن إلا مجموعة، بينما وردت فى الأحاديث مفردة كذلك، وككلمة "أمين"، التى لم ترد فى القرآن فى الأربع عشرة مرة إلا مفردة، بينما وردت فى الأحاديث مجموعة أيضا ... وهلم جرا. وإلى جانب ذلك هناك ثنائيات حديثية لم تأت فى القرآن، مثل كلمتى "أجر ووزر"، اللتين تكرر ورودهما معا فى الأحاديث، أما فى القرآن فلا. ومثلهما فى ذلك الثنائيات التالية: "بغض وحب، هزل وجد، دينار ودرهم، صَبَر واحتسبَ، وَفَّى ووَعَد ... إلخ". وهناك كذلك تعبيرات وردت فى الأحاديث النبوية ولم ترد فى القرآن، مثل "ليلة البدر، أما بعد، ما بال ... ؟، ذات محرم، حديثُ عهدٍ بـ ... ، كفى بالمرء إثما أن ... "، وعلى العكس من ذلك التعبيرات القرآنية التالية: "إن الله لا يحب الـ ... ، متَّعناهم إلى حين، لا تتَّبِعوا خطوات الشيطان، وما أدراك ما ... ؟ ... ". وفى الأحاديث كذلك تركيبات لا يعرفها أسلوب القرآن مثل "ألاَ و ... ، أمَا الاستفتاحية، إياك أن ... وهلم جرا". وأريد هنا أن أقف عند تركيب ورد فى كل من القرآن والحديث، ولكن بطريقة تختلف فى كل منهما عن الآخر: ففى الحديث مثلا: "تصدقوا ولو بشق تمرة، بَلِّغوا عنى ولو آية، انظر ولو خاتما من حديد"، وفى القرآن: "كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير