تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أنفسكم، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى". ولكن عند التدقيق نجد أن ما بعد "ولو" فى الحديث هو أهون شىء، بينما فى القرآن هو أهم شىء ... وهذه مجرد نظرة سريعة من كتابى: "القرآن والحديث"، الذى تبلغ صفحاته ستمائة صفحة.

ثم إنك تذهب فتفتش القرآن كله من أوله إلى آخره فلا تجد أى شىء عن أفراح الرسول ولا عن أحزانه وهمومه على كثرة هذه وتلك فى حياته كأى إنسان. فمثلا لا ذكر فى القرآن لأى عرس من أعراسه صلى الله عليه وسلم ولا لموت خديجة أو أبى طالب أو إبراهيم ابنه الصغير، الذى رُزِقه على كبر وبعد معايرة قومه له فى مكة بـ"الأبتر"، ولا حتى عمه حمزة، الذى مات ميتة شنيعة فى غزوة أحد. وكذلك ليس فى القرآن أى تألم لهزيمة أحد ولا أية طنطنة أو قعقعة بانتصار بدرٍ المدوى أو فتح مكة الذى وضع حدا للوثنية فى مكة ثم فى بلاد العرب عقب ذلك. ليس ذلك فحسب، بل ما من موضوع يتناوله القرآن إلا وتجد الروح الإلهى من ورائه بجلالها وعظمتها. كما أن القرآن منذ البداية قد تحدى الكفار بأن الإسلام منتصر لا محالة ومنتشر فى الدنيا كلها، وقد كان. وبالمثل تنبأ بأن فارس، التى كانت حديثة عهد بالانتصار على الروم، سوف تنهزم على يد الروم فى غضون بضع سنين، وقد كان. وتنبأ بأن أبا لهب سيموت كافرا وسيدخل النار، وقد كان. وتنبأ عشية الحديبية بأن المسلمين سوف يدخلون المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، وقد كان. كذلك تنبأ النبى نبوءات كثيرة، إلا أننى أتريث فقط عند نبوءته بفتح القسطنطينية، إذ لا يمكن التشكيك فيها، فقد فُتِحت القسطنطينية بعد تدوين الأحاديث بزمن طويل بحيث لا يستطيع أى مداور سخيف أن يزعم أن رواة الحديث قد اخترعوا النبوءة بعد فتح المدينة كى يسجلوا للنبى فخارا لا يستحقه ...

ودعنا من هذا كله إذا شئت يا أبا العبابيس وقل لى: ما الذى كان يضطر محمدا إلى اختراع القرآن وادعاء نزول الوحى عليه من السماء، وكان قومه يقفون ضده ويسخرون منه ويهزؤون به ويتآمرون عليه ويؤذونه أشد الأذى، وهو الذى عاش ما عاش متواضعا زاهدا راضيا بالقليل، لم يمارس استبدادا ولا أساء استعمال السلطة فى يوم من الأيام رغم استعداد الصحابة للموافقة المطلقة على كل ما يقوله ويفعله صلى الله عليه وسلم، ولا كان يريد لأهله أن يحكموا من بعده ولا كان يدعو إلى قومية عربية، بل أكد أنه لا فضل للعرب على غير العرب ولا لغير العرب على العرب إلا بالتقوى والعمل الصالح؟ وفى هذا السياق يرى ألفرد جيوم أن حرارة الأقوال التى كان يتفوه بها النبى وانشغاله التام بالله وبالقضايا الأخلاقية وشعوره بأن ثمة ضغطا يسوقه سوقا لإعلان كلمة الله هو دليل على صدقه عليه الصلاة والسلام (انظر Alfred Guillaume, Islam, Pelicn Books, 1964, PP. 28- 30)، إذ لا مصلحة له صلى الله عليه وسلم فى شىء من هذا، ودَعْكَ من تحمله لكثير من الأذى والإهانة والألم وتعرضه للتآمر على حياته.

ثم ماذا يمكن أن نسمى الكائن الذى يتصدى لمهاجمة القرآن وهو لا يحسن التفرقة بين همزة الوصل وهمزة القطع إلى مدى غير مسبوق، إذ يضع دائما وباستمرار همزة على ألف التعريف بحيث ما من كلمة فى الكتاب بدأت بألف ولام إلا وجدت على رأس الألف همزة؟ اسم النبى حارسك وصائنك يا عِبْس! كذلك ما من مرة استخدم مصدرا خماسيا أوسداسيا إلا وضع تحت ألفه همزة أيضا. ألا خيبة الله على التافهين! ثم هو أيضا لا يفرق بين ضمير جماعة الإناث وضمير جماعة الذكور، فكله عنده صابون، إذ يقول عن الأمهات: "هم" بدلا من "هُنّ" (ص280). ومثل ذلك صَوْغه الفعل: "يشكو" المسند إلى نون النسوة هكذا: "يَشْكِين" (ص274) بدلا من "يَشْكُون" كما ينبغى أن تكون.

وقد رأيناه قبلا يقول: "سُدْرة المنتهى" (بضم السين بدلا من الكسر)، كما كتب أيضا (ص192) الآية رقم 97 من سورة "الكهف" هكذا: "فما استطاعوا أن يُظْهِروه" (بدلا من "يَظْهَروه"، أى يظهروا السَّدّ أو الرَّدْم الذى بناه الإسكندر)، بما يقلب اللفظة تماما بعيدا عن معناها: ذلك أن معنى "يَظْهَر فلان السُّور": يتسلقه، أما "يُظْهِره" (بضم الياء وكسر الهاء) فمعناه: "يخرجه من الخفاء إلى العلن". ويجد القارئ خطأ آخر من هذا النوع فى ص195 حينما كتب قوله تعالى: "هو اجتباكم فما جعل عليكم فى الدين من حرج" بالفاء بدلا من الواو. ومثل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير