تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذلك ضبطه بالضم قاف "قرِّى" فى قوله تعالى مخاطبا مريم عليها السلام: "قَرِّى عينا" (ص274). والحق أنى لا أدرى كيف يقع ذلك المعتوه فى مثل تلك الأخطاء، وهو إنما ينقل الآيات من المصحف الضوئى نسخا فلا مجال فيه لمثل ذلك الخطإ. وثم أخطاء أخرى أشرت إلى بعضها فيما سبق، وأخطاء وقعت بعد ذلك ضربتُ عنها صَفْحًا. فكيف يتصدى متخلف مثل هذا لتخطئة القرآن؟ لقد هُزِلَتْ حتى سامها كل مفلس من العقل والعلم والذوق والحياء كعبس الأعباس، الهجّاص الهلاّس!

وهذا الهجاص الهلاس يحمل أيضا على الطريقة التى يتحدث بها القرآن عن القوانين الكونية، قائلا فى غضب لا مبرر له إن القوانين فى القرآن هى قوانين الله لا قوانين الكون (ص199)، بما يعنى أنه لا يوافق على هذا الوضع باعتبار أن القوانين هى فى الحقيقة قوانين الكون لا قوانين الله. لكن أليس الله هو خالق الكون وخالق القوانين جميعا، ومن ثم فهى قوانينه قبل أن تكون قوانين الكون؟ وهل هناك تضاد بين هذا وذاك؟ وهل يمكن أن يكون هناك كون أصلا، فضلا عن أن تكون هناك قوانين لهذا الكون، لو لم يخلق الله ذلك الكون؟ إن نيافته يزعم أن إسناد القوانين لله معناه أن الله لا يجرى على قاعدة ولا يتقيد بقانون فى تسيير أمور الحياة، بل كل شىء متروك للمصادفة والقرارات اللحظية.

الله أكبر على المفترى الكذاب! لكأننا جالسون على مصطبة فى الريف أمام دوار العمدة حيث يتخذ قراراته العشوائية تبعا للظروف! ترى أين نجد هذا فى كتاب الله؟ وهل كان الكون ليستمر حتى الآن عبر ملايين السنين لو كان الأمر يجرى سبهللا على النحو الذى يصوره ذلك المضروب فى مخه؟ ألم يقرأ قوله سبحانه مثلا: "فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا"؟ ألم يقرأ أن الله قد خلق كل شىء بمقدار وبميزان، فهو لا يميل يمنة ولا يسرة؟ ودعنا مما فى كتاب الله، وخَلِّنا فى الكون الذى خلقه الله، فأين فى هذا الكون ما يدل أو حتى ما يوحى بأن أموره تسير على العشوائية والمصادفة والقرارات اللحظيّة النَّزْوِيّة؟ فماذا نصنع بقوانين الطبيعة إذن التى تخر لها أنوف الجبابرة والحقيرين أجمعين دون أن يستطيع أحد من هؤلا أو أولئك الخروج عليها بغير أن تندق عنقه ويضيع فيها ويلحق غير مأسوف عليه بالهالكين؟ إن هذه القوانين الطبيعية أو السنن الكونية هى التى خلقها الله ورتب كونه على أساس منها، فهى إذن مجلًى لمشيئة الواحد الأحد.

وفى ص200 نراه ينكر أن يكون سبب هلاك الأمم هو الإفساد فى الأرض. أليس الكسل والتنبلة والرشوة وكراهية العلم وعدم الاستعداد لمكافحة العدو وإلقاء اليد إلى التهلكة وما إلى ذلك هى أسباب هلاك المجتمعات، إذ تؤدى إلى تخلفها وفقرها وتعرّضها من ثم لاجتياح الاستعمار أراضيها عاجلا أو آجلا واستيلائه على ثرواتها ومقدّراتها وتصريفه لسياستها على النحو الذى يحب، ومحاربته لدينها وتراثها وثقافتها وتقاليدها، وتقسيمه لها إلى دويلات متناحرة؟ إن الهلاك عنده، فيما يبدو، لا يمكن أن يكون إلا الهلاك بجائحة طبيعية لا الهلاك الحضارى. وبالنسبة إلى الجائحة الطبيعية فإن التحذير بها، حسبما نقرأ عنها فى القرآن، كان يسبق دائما وقوعها، فإن تاب القوم نَجَوْا، وإلا أُهْلِكوا بها.

ومن تقاليعه فى الكتاب الذى بين أيدينا حملته الحمقاء على الإيمان بالغيب (ص228). فكيف بالله يكون إيمان إذن إذا اشترط المؤمن أن يرى كل شىء ويسمع كل شىء ويلمس كل شىء ويذوق كل شىء ويصير المستقبل والماضى حاضرا أمامه وتضطرب نواميس الكون؟ إن هذا ليس إيمانا بل مشاهدة وسماعا وشما وذوقا وحدسا. وشتان هذا والإيمان! ومع هذا فهل يظن القارئ أن فى ذلك حلا للمشكلة؟ إن من الناس ناسا ينكرون الشمس فى رائعة النهار دون حياء أو خجل، وإلا فمن الذى يكذب فيشهد بغير الحق فى واقعة شاهدها وسمعها وتيقن من كل شىء فيها أحداثا وأشخاصا؟ أليس أمثال هذا الشخص يملأون الدنيا من حولنا؟ ثم كيف يريد الكاتب منا أن نتجاهل الغيب، رغم أن عالم الغيب فى هذا الكون المتراحب الأبعاد أوسع مدى من عالم الشهادة بما لا يقاس؟ على أن القرآن لا يتطلب الإيمان بالغيب إيمانا أعمى، بل إيمانا مؤسسا على التفكير وإعمال العقل الذى يوجبه على المسلم فى كثير من الآيات كما هو معروف. فكيف يهاجم عبس إذن الغيب والإيمان بالغيب؟ وما المغزى من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير