تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وراء هذا الهجوم؟ وما الذى يبقى من الإسلام إذا حذفنا منه الإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر مثلا؟

والعجيب أنه يأخذ على المسلم انشغاله بالماضى بسبب الإيمان بالغيب (ص229)، مع أن الغيب فى القرآن بهذا المعنى لا علاقة له بالماضى بل بعالم الخفاء الحاضر دوما كالله والملائكة، أو بعالم المستقبل كالجنة والنار وما إلى ذلك. أما الغيب بمعنى تاريخ الأمم الماضية الذى يخبر القرآن به فليس هو المقصود فى القرآن عند الحديث عن وجوب الإيمان بالغيب والثناء على من يؤمنون به. وأعجب من ذلك أن العِبْس يكرر مؤكدا أن الإنسان ذو وجود ميتافيزيقى وحاجات ميتافيزيقية (ص237 وما بعدها، 244). أليس هذا هو الغيب الذى ينكره؟ أليس هذا هو التناقض بعينه؟ أومثل هذا يصح أن يهاجم القرآن والإسلام، وهو الذى يفتقر إلى المنطق تماما فى كل ما يقول؟

وبالمثل يهاجم العِبْس أبو عقل جِبْس عقيدةَ القضاء والقدر باعتبارها عقيدة التواكل والكسل وسقوط الهمة (ص231). لكن ألم يقرأ قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، "قاتلوهم يعذبْهم الله بأيديكم ويُخْزِهم وينصرْكم عليهم ويَشْفِ صدور قوم مؤمنين* ويذهبْ غيظ قلوبهم"، "إن تنصروا الله ينصرْكم ويثبّتْ أقدامكم"، "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، "إن تُقْرِضوا لله قرضا حسنا يضاعفْه لكم ويغفرْ لكم"؟ ألم يسمع بالحديث القدسى الذى يقول المولى فيه مخاطبًا ابن آدم: "كنتُ جائعا فلم تطعمنى، وعطشان فلم تسقنى، ومريضا فلم تَعُدْنى"؟ أليس عنده علم بقول الرسول: "اعملوا، فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِق له"، "اعقلها وتوكل"؟ ألم يصله نبأ قول عمر إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، أو قوله تبريرا لتركه دخول الشام عندما انتشر فيه الطاعون واستغراب بعض الناس لتصرفه متصورين أنه يفر من قضاء الله: إننى أفر من قضائه إلى قضائه؟ ثم إن الإيمان بالغيب فى القرآن قرين العمل الصالح دائما: العمل الصالح لا العمل فقط. فكيف بعد هذا كله يزعم عِبْس الأعباس مناقضة عقيدة الإيمان بالغيب للعمل والإنتاج؟ كذلك نراه يزعم أن الاعتقاد بالقضاء والقدر لا يقيم دولا بل دويلات ولا ينشئ علوما ولا تقدما. لكن إذا كان الأمر كذلك فكيف أنشأ المسلمون ما أنشأوا من إمبراطوريات؟ وكيف أنشأوا العلوم والتقدم والتحضر الذى كانوا يرفلون فيه؟

وبالنسبة إلى وجود الله فإنه كعادته يبدى تذبذبا وتناقضا ولا يستقر على موقف واحد، فهو مثلا فى ص 237 وما بعدها يقول إن وجود الله ليس عليه دليل، ومن ثم فلا معنى للألوهية، مع أن هذه المقدمة لا تؤدى إلى هذه النتيجة. ذلك أن المقدمة المذكورة تعنى أن هناك احتمالا أن يكون هناك إله، ومن ثم لا يصح نبذ هذا الاحتمال والتصرف على أساس أنه ليس هناك إله بالمرة. ثم إنه يقول مع هذا إن الإنسان محتاج إلى الله حاجة الطفل إلى الأبوين. أفليس هذا دليلا آخر على وجود الله؟ وإلا فمن الذى غرس هذه الحاجة فى نفوسنا؟ كذلك ففى ص 244 يسوق مبررات إنكاره لوجود الله، ليعود بعد قليل (ص247) فينفى أن يكون قد أنكر وجود الله أو أنه يريد إنكاره. وهكذا يتناقض ولا يستقر على حال، وفكره مضطرب أشد الاضطراب.

وطبعا هذا كله شىء، وقبولنا منه بعدم وجود إلهٍ شىء آخر. إننى لا أستطيع أبدا أن أفهم أنه ليس هناك إله لهذا الكون، وإلا فمن خلق ذلك الكون بجماداته وبشره وحيواناته ونباتاته وهوائه ومائه وناره وسماواته وأرضه وقوانينه التى تنظم أوضاعه؟ أمر من اثنين: إما أن نقول بالإله الذى نعرفه، ذلك الإله القوى القدير المريد العالم دون حدودٍ يقف عندها علمه أو مشيئته أو قدرته أو قوته أو وجوده، وإما أن نقول إن هذا الكون الجامد الأصم الأعمى البليد الذى لا يدرى من أمر نفسه، فضلا عن أن يدرى من أمرنا شيئا هو ذاته ذلك الإله. وليس هناك احتمال ثالث. فليختر عبس لنفسه أحد الإلهين، وهو حر فى اختياره، لكنه لا بد له من اختيار، وإلا لم يكن ذا عقل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير