تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وينكر عبس أن يكون الله رازقا، بَلْهَ رزّاقا (ص282). ولكن من يا ترى الذى يُفِيض ألوان الرزق اللانهائية على العباد والمخلوقات؟ أليس هو الله سبحانه؟ إن الكاتب يأتى إلى بضعة أمثلة على ضيق الرزق ويجعلها حالة عامة، وهذا تضليل، ففى الحياة التوسعة والتضييق، وربما كانت التوسعة هى الأصل. ومهما يكن من أمر فكما أن التوسعة لون من ألوان الرزق، فكذلك التضييق لون آخر من تلك الألوان. ذلك أنه ما من مخلوق إلا والله رازقه، وإن كان هناك اختلاف فى مقدار الرزق ونوعه بطبيعة الحال، وهو ما لا يعارض شيئا فى القرآن إلا على سبيل التعسف من الكاتب وتقويل النص ما لم يقل. وقد سبق أن ناقشنا هذه المسألة بشىء من الاستفاضة لدن حديثنا عن عم عثمان زمّار القرية عندنا.

ومن سخفه كذلك قوله إن الله لا يملك طعاما ولا شرابا يقدمه لنا، وإنه أفلس منى ومنك (ص282). فمن خلق كل ما فى الكون إذن؟ هذا رجل أحمق بامتياز. وهذا الأحمق يعود فيقول إن الله لا يرزق إلا من هم فى غنى عنه وعن رزقه، وهم الأغنياء (ص284). فمن يا ترى رزقهم وجعلهم أغنياء يظنون أو يظن الحمقى من أمثال الكاتب أنهم غنيّون عن رزق الله؟ اليس هو الله؟ أم تراه يظن أن الكون وما فيه من رزق عميم لا يُحْصَى ولا يُعَدّ هو نبت شيطانى؟

وفى ص294 يعود فيزعم أن الله لا علاقة له بالكون خلقا أو تغييرا، قائلا إن الله لا ينصر إلا المنتصر فقط، بمعنى أنه لا دور له فى الأمر، بل الدور كل الدور للإنسان وحده. وهذا عمًى عقلى، إذ الله هو خالق الإنسان والنصر والهزيمة، والنواميس التى تحكم كلا منهما، والسبيل التى تقود إلى كل منهما، فضلا عن التوجيهات التى تضمن النصر لمن يريد حقيقةً أن ينتصر. وهل هناك بعد هذا كله من شىء لم يخلقه الله ويوفره لعباده؟ أما القول بأنه لا فرق بين الله والأصنام، إذ كل منهما لا يستجيب لدعاء ولا يخلق شيئا فغباء وعناد سخيف، إذ الأصنام مخلوقة، أما الله فخالق. كما أنه عز وعلا قد بين للمؤمنين طريق النصر والهزيمة وتركهم على المحجة البيضاء. أما تساخف العباس المحتاس فى فهم قوله تعالى عن المسلمين وما حدث لهم فى غزوة حُنَيْن من هزيمة فى بداية اليوم قبل أن يعودوا فيتمالكوا أنفسهم ويقبلوا على المعركة بجأشٍ رابطٍ إلى أن انتصروا من بعد هزيمة: "ويوم حُنَيْنٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تُغْنِ عنكم شيئا" على اعتبار أنهم ما داموا أكثر عددا لقد كان ينبغى، فى رأيه، أن ينتصروا لأنهم كانوا مؤمنين بالله، فهو تساخف ثقيل الظل، لأن المقصود فى الآية أن المسلمين، بسبب من غرورهم، لم يهتموا بأخذ الحذر ظانين أنهم منصورون لا محالة لكثرة عددهم. وفاتهم أن للنصر عوامل أخرى إلى جانب الكثرة، التى قد تكون عائقا كما حدث فى تلك الغزوة وفى أُحُدٍ من قبل. أما الاعتقاد وحده دون عمل، بل دون عمل صالح، فلا يقدم ولا يؤخر كما يوضح القرآن والحديث.

ثم يمضى الجاهل فيزعم أن للنصر أسبابه التى متى تحققت تحقق النصر شاء الله أو أبى (ص298)، وكأن تلك الأسباب ليست من خلق الله وتهيئته، وكأنه سبحانه لم يحضّ على إحرازها كى يتحقق النصر. نعم إن تساخفه فى مهاجمة القول بأن النصر من عند الله هو تساخف رخيص، فكل شىء فى الحقيقة هو من الله. أليس الله هو خالق الإنسان وخالق عوامل النصر ومبين طريقه والحاضّ على التزام هذه الطريق؟ ومع هذا فكثيرا ما أشاد القرآن والحديث بفضل البشر وأثنى عليهم على عكس ما يقول ويزعم عِبْس. وإلى القارئ بعض الآيات والأحايث التى تقرر ذلك: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة- إن تنصروا الله ينصركم- قاتلوهم يعذبْهم الله بأيديكم- إن تُقْرِضوا الله قرضا حسنا يضاعفْه لكم ويغفرْ لكم- لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزِّروه وتوقِّروه وتسبِّحوه بكرة وأصيلا- إلا تنصروه فقد نصره الله- يا ابن آدم، مرضتُ فلم تَعُدْنى (المتكلم هنا هو الله) - لعل الله اطَّلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم ... إلخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير