صدر هذا الكتاب باللغة العربية منذ فترة وجيزة لمؤلفه الدكتور الإمام عبد الرحمن مرحبا، ولم تجروء أية صحيفة عربية أن تتكلم عنه أو تنتقده أو تشير على الأقل إلى صدوره. فقد قامت بعض القوى الأمنية والمخابراتية بمصادرته سرّا من المكتبات وبالرغم من كل ذلك عرف رواجا لا مثيل له في بعض الدول الإسلامية، خاصة بين رجال الدين كما كشفت ذلك بعض المصادر.
اللافت إلى أن موريس سالاكرو نقل هذا الكتاب مؤخرا إلى الفرنسية وصدر عن دار نشر"دو باريس" بعنوان "إعترافات إمام"، الأمر الذي سمح لعدد كبير من القراء الغربيين بالإطلاع عليه وعلى مضمونه والتعرف على أحد كبار نقاد الفكر الديني الإسلامي في عصرنا الحديث. وهذا ما يؤكد على أن الرفضية لكل المفاهيم الدينية والغيبية الظلامية لم تعد حكرا على المفكرين الغربيين أو ما نصفهم بالكفّار، بل هناك بين صفوف المسلمين، أو الذين وُلدوا في الإسلام رغما عنهم، أناس يتحلّون بالجرأة أخذوا يتحدّون كل المتزمتين ويطلقون صرخة الألم والمعاناة ويدقّون ناقوس الخطر الذي يهدّد أمّتهم بسبب القيود الدينية البالية والاضطهاد الفكري الذي يتعرّضون له.
من هو عبد الرحمن مرحبا؟
جلّ ما نعرف عنه أنه من مواليد عام 1927. كان شيخا مسلما ومتصوفا من المذهب السنيّ الحنيف. نشأ نشأة المسلم المتحمّس وترعرع في أطياف الدين والهدى. كان يطمح، بل كان حلمه الكبير التبشير بالإسلام في بلاد الهند. كان غارقا في الدين الإسلامي من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه. كان منقطعا للصلاة والعبادة وحضور حلقات الذكر، وذلك ليكون القدوة والأسوة والمثل.
التحق بجامعة الأزهر الإسلامية لتلقّي العلم "الشريف" فيه، ولكنه أصيب بخيبة أمل مما تعلمه في هذه المؤسسة الغراء التي غادرها بعد مرور ثلاث سنوات للالتحاق بجامعة فؤاد الأول، ثم بمعهد التربية العالي، حيث حصل على شهادة سمحت له بتحضير أطروحة دكتورا في الفلسفة في جامعة السوربون في باريس.
بعد عودته إلى بلاده، أكمل مسعاه الديني واعظا، إماما وخطيبا في المساجد. ثم واظب على التعليم الجامعي وتأليف الكتب الفلسفية العلمية. نشر مؤلفات عدة في الفكر الفلسفي الإسلامي العربي في القاهرة وبيروت.
عاش الإمام عبد الرحمن مرحبا حياة فكرية مغمورة بالقلق والاضطراب وحياة دينية مضمخة بالريب والشكوك والتساؤلات. لم يتمكن من التعبير عن الصراع المرير بين العلم والإيمان الذي عانى منه منذ صغره، ففجّره في هذا الكتاب الذي أورد فيه ما يكنّه فكره وتصوّره عن هذا الأمر. لذلك قرّر أن يعلن بصراحة لا نظير لها، عبر هذا الكتاب، رفضه للقرآن ولإله القرآن ولمفسّري القرآن الذين كانوا إذا وجدوا فيه شيئا يخالف العقل والعلم والمنطق، كذّبوا العقل والعلم والمنطق، بلا حياء ولا خفر ...
هدف هذا الكتاب
يحدّد عبد الرحمن مرحبا الغاية من مؤلّفه كما جاء في مقدّمته:
"هذا الكتاب دعوة ملحة وصريحة من أجل قراءة القرآن من جديد لنفهمه على حقيقته، وكسر القيود والأغلال التي شوّهت تفكيرنا، وأفسدت قراءتنا للحياة والكون والمصير ...
هذا الكتاب محاولة نقدية للتحرير والانعتاق من الثوابت التي انتهت بنا إلى ما نحن عليه اليوم. إنه إضاءة للحظة المعتمة الراهنة، مدعمة بالشواهد المأخوذة من النصّ القرآني، ونقد له وتحليل لآياته، ونزع للأغطية التي تحجب الرؤية، بل تعطّلها وتشلّ حركة الفكر الحرِّ وتخدّره، وتقتل فيه روح المعاناة، وتحوّله إلى عنصر سلبيّ لا همّ له الا تبرير النصّ، والدفاع عن النصّ والاستغراق في "ذخائر النصّ"، والحِكم البالغة في النصّ.
كتبتُ هذا الكتاب بقلب مخلص يشتاق إلى التغيير، ويريد العمل على القيام بأعمق تغيير، وبالتالي تقديم صورة عن القرآن غير الصورة المعروفة المتداولة في أسواق العامّة، بل حتى في أسواق الخاصّة، وأحيانا خاصّة الخاصّة. فعبادة النصّ، والعكوف على النصّ، والانحناء أمام النصّ، لا تفرّق في كثير من الحالات بين عامّة وخاصّة. فكم من عملاق تصاغر أمام النصّ حتى بدأ قزما يرتجف هلعا كفأرٍ رأى شبح قطٍّ. هكذا يفعل بعملاقنا المغرور زئير النصّ.
¥