تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم يخبرنا تعالى أنه سخّر لنا الشمس والقمر وما ينجم عنهما من ليل ونهار، ويصف الشمس والقمر بصفة "دائبين"، وهي صفة أصيلة ولصيقة بهما، فالإنسان ينشأ وهو يرى الشمس كل نهار، والقمر كل ليلة، ويموت مخلّفًًا وراءه تتابعهما، وكذلك الأجيال التي سبقته والأجيال التي تليه إلى أن يشاء الله.

ويقتضي هذا التسخير أن نحبّه تعالى وحده لأنه أنعم علينا بأن ذلّل لنا هذه الآيات الكبيرة: الشمس والقمر والليل والنهار، الشمس بحرارتها التي تعتبر أساسًا في حياتنا، والقمر الذي نمتّع به أبصارنا، ونستضيء به في ظلماتنا ونحسب به أيامنا، والنهار الذي يضيء أيامنا وحركتنا، والليل الذي يلفّ أجسادنا ليريحها من عناء النهار.

ثم يأتي التعقيب النهائي الذي يوضّح القصد من الحديث السابق: إنّ الإنسان لظلوم كفّار، شديد الظلم للحق، لا يُؤلِّه الله وحده، بل يُشرك معه آلهة أخرى، ولا يتوجّه إليه بالحبّ وحده بل يحبّ آلهة أخرى معه، وهو شديد الكفران والجحود، يقابل نِعَم الله التي لا تُحصى بالمعصية وعدم الطاعة.

الثاني: البناء العقلي للمسلم:

"

بنى القرآن الكريم عقل المسلم البناء الصحيح، وجعله يتعامل مع الكون المحيط به تعاملاً سليمًا، وهو من أجل تحقيق هذا استخدم آيات الكون والطبيعة والإنسان .. إلخ، ووظّفها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وليس من شك في أنّ هذه ثمرة عظيمة

"

قد بنى القرآن الكريم عقل المسلم البناء الصحيح، وجعله يتعامل مع الكون المحيط به تعاملاً سليمًا، وهو من أجل تحقيق هذا استخدم آيات الكون والطبيعة والإنسان إلخ ... ، ووظّفها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وليس من شك في أنّ هذه ثمرة عظيمة، ويتّضح ذلك من خلال إقرار قانون السببية، وهو أهم قانون قامت عليه حضارتنا وأخذته الحضارة الغربية من حضارتنا، وهو الذي نقل الإنسان من العقلية الخرافية إلى العقلية العلمية، ففي شأن نزول المطر قال تعالى: "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" (الروم، 48)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الأعراف،57). فالآيتان السابقتان توضّحان أنّ الرياح كانت سببًا في تكوين السحب، وكيف أنّ السحب كانت سببًا في نزول الماء، وكيف كان الماء سببًا في إنبات النبات إلخ ... ، وهذا بناء لعقل المسلم على الظاهرة السببية.

ويتضح البناء العقلي للمسلم من خلال أمر الآيات بالنظر في مظاهر الكون من طعام، ونزول مطر، وإنبات نبات، والشمس إلخ ... ، فقال تعالى: "فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً. وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" (عبس، 24 - 32)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام، 99)، وحضّ القرآن الكريم المسلم على النظر في أحوال الأُمم السابقة وهلاكها، وأسباب ذلك فقال تعالى: "قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (الأنعام،11)، وقال تعالى أيضًا: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" (النمل، 69)، وحثّ القرآن الكريم على استعمال حاسّتي السمع والبصر اللتين هما الأصل في بناء العقل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير