تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن الجدير بالذكر أنّ الحديث عن وحدانية الخالق من خلال استخدام مظاهر الطبيعة والإنسان يستهدف بالإضافة إلى إثبات حقيقة الوحدانية كحقيقة عقلية أمرًا آخر هو البناء النفسي، ويدلّ على ذلك أنّ الآية التالية للآية التي أثبتت وحدانية الخالق من خلال عرض مظاهر الخلق في السماوات والأرض والسُّفُن ونزول المطر وإنبات النبات إلخ ... قالت: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ" (البقرة، 165)، وبيّنت أنّ المقصود من الكلام عن وحدانية الخالق هو: توجيه الحبّ إلى الله، وبيّنت ذلك من خلال الإشارة إلى خطأ بعض الناس بتوجيه الحبّ إلى أنداد لم تَخلق ولم تُنعِم على الناس بشيء.

الرابع: التدليل على وحدة المخلوقات:

استثمر القرآن الكريم آيات الكون والطبيعة والإنسان والحيوان إلخ ... للتدليل على وحدة المخلوقات، وأبرز عدّة مبادئ تؤكّد ذلك منها:

أ – مبدأ الزوجية: أشارت الآيات إلى أنّ مبدأ الزوجية هو الذي يحكم الكون كله، فهناك: الذكر والأنثى في عالم الإنسان والحيوان، وهناك الطلع المذكّر والطلع المؤنّث في عالم النبات، وهناك الأرض والسماء، والشمس والقمر، والليل والنهار، والبر والبحر إلخ ... في عالم الكون، فقال تعالى: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات، 49)، وقال تعالى: "وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (ق، 7).

ب- مبدأ إخراج الحي من الميّت والميّت من الحي: أشارت الآيات إلى أنّ الله يخرج الحي من الميّت والميّت من الحي في كل المخلوقات التي خلقها: الإنسان والحيوان والنبات، ففي شأن خلق النبات من النواة قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" (الأنعام، 95)، وفي شأن خلق الإنسان قال تعالى: "أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ" (يونس، 31).

ج- مبدأ المائية في كل المخلوقات: بيّنت الآيات أنّ الماء هو الأصل في كل المخلوقات فقال تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء، 30)، فالطفل يأتي من اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، وكذلك الحيوان يأتي من ماء الذكر والأنثى، وكذلك النبات فالماء هو الأصل في حياته، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا" (الأنعام،99)، ثم بيّنت العلوم الحديثة أنّ الماء يشكّل فوق تسعين بالمائة من أجسام المخلوقات جميعها: الإنسان، والحيوان، والنبات.

ومما تجدر ملاحظته أنّ التدليل على وحدة المخلوقات يستهدف أمرًا آخر غير إثبات الحقيقة العقلية هو البناء النفسي، ويدل على ذلك أنّ الآيات التي أبرزت المبادئ التي عرضنا والتي دلّت على وحدة المخلوقات انتهت بما يوجّه إلى ذلك، ولو أخذنا مبدأ الزوجية نجد أنّ الآية التي تحدّثت عن مبدأ الزوجية في سورة الذاريات انتهت بطلب الفرار إلى الله، والفرار يقتضي الرجاء فيمن يفر الإنسان إليه. ولو أخذنا الآية التي تحدّثت عن المبدأ الثاني فسنجد أنها انتهت بقول الله تعالى "أفلا تتقون"، وفيه توجيه وحضّ على التقوى، وهي أصل عظيم في البناء النفسي. وكذلك لو أخذنا الآية التي تحدّثت عن المبدأ الثالث لوجدنا أنها انتهت بقوله تعالى "أفلا يؤمنون"، وهذه النهاية توجيه إلى الإيمان وهو الهدف من البناء النفسي والعقلي.

الخامس: التدليل على ضرورة وجود اليوم الآخر:

"

كل شيء مخلوق لحكمة، وإذا كانت الحكمة والقصد والغاية والهدف قانونًا يحكم كل مخلوقات الكون، فلابد من أنّ يحكم الإنسان، لذلك لابد من اليوم الآخر

"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير