تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووجدنا من المعارضين الأستاذ الشيخ أمين الخولي في بحثه المركّز (التفسير: معالم حياته، منهجه اليوم) وقد نقل فيه رأي الشاطبي، واعتراضه على الذين أرادوا أن يخرجوا بالقرآن عن نهجه في مخاطبة العرب بما يفهمون، وفي إطار ما يعهدون من علوم ومعارف، ورد على الذين زعموا أن في القرآن علوم الأولين والآخرين، دينية ودنيوية، شرعية وعقلية.

وهو رأي الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الأسبق، قاله في تقديمه لكتاب عبد العزيز (باشا) إسماعيل (الإسلام والطب الحديث) [2].

وهو رأي د. عبد الحليم محمود، والشيخ عبد الله المشد، والشيخ أبو بكر ذكري، أعلنوه في مقدمة تفسيرهم الموجز للقرآن، والذي كان ينشر في مجلة (نور الإسلام) لسان علماء الوعظ والإرشاد في الأزهر.

معارضة سيد قطب

وينحو صاحب (الظلال) سيد قطب -رحمه الله– هذا المنحى في تفسيره لآية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ) [3]، إذ يقول بقلمه البليغ: وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها ... كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه!.

إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها ... لأنه هو الإنسان ذاته الذي يكتشف هذه المعلومات وينتفع بها .. والبحث والتجريب والتطبيق من خواص العقل في الإنسان. والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان –بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره– كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح بأن يحسن استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه. وبعد أن يوجد الإنسان السليم التصور والتفكير والشعور، ويوجد المجتمع الذي يسمح له بالنشاط، يتركه القرآن يبحث ويجرب، ويخطئ ويصيب، في مجال العلم والبحث والتجريب. وقد ضمن له موازين التصور والتدبر والتفكير الصحيح.

كذلك لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانا عن الكون في طريقة لإنشاء التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه، وطبيعة التناسق بين أجزائه .. لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن بفرض العقل البشري ونظرياته، ولا حتى بما نسميه (حقائق علمية) مما ينتهي إليه بطريق التجربة القاطعة في نظره.

إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة، أما ما يصل إليه البحث الإنساني –أيا كانت الأدوات المتاحة له- فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها ... فمن الخطأ المنهجي –بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته– أن نعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية. وهي كل ما يصل إليه العلم البشري.

هذا بالقياس إلى (الحقائق العلمية) ... والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى (علمية) .. ومن هذه النظريات والفروض كل النظريات الفلكية، وكل النظريات الخاصة بنشأة الإنسان وأطواره، وكل النظريات الخاصة بنفس الإنسان وسلوكه .. وكل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها ... فهذه كلها ليست (حقائق علمية) حتى بالقياس الإنساني. وإنما هي نظريات وفروض كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية، وإلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرا أكبر من الظواهر، أو يفسر تلك الظواهر تفسيرا أدق! ومن ثم فهي قابلة للتغيير والتعديل والنقص والإضافة، بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب، وبظهور أداة كشف جديدة، أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة!.

وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة –أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسفلنا– تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي. كما أنها تنطوي على معانٍ ثلاثة كلها لا يليق بالقرآن الكريم:

المعنى الأول:

الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم. على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم لا يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس، وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق؛ لأنه مقيد بوسع الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.

والمعنى الثاني:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير