تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق –بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي؛ حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره، ويستخدم بعض نواميسه في خلافته. نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق، وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة!.

والمعنى الثالث:

هو التأويل المستمر –مع التمحل والتكلف– لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يوجد جديد، وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن، كما أنه يحتوي على خطأ منهجي، كما أسلفنا [4].

الإمام الغزالي والتفسير العلمي

والموضوع قد أثير من قديم، ويبدو أن أول من أثاره هو الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله، فقد ذكر في (الإحياء) قول ابن مسعود: من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن، ونحو ذلك من الأقوال، ثم قال: (وبالجملة، فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها) [5].

وفي كتاب (جواهر القرآن) وهو مؤلف بعد (الإحياء) عاد إلى الموضوع وتوسع فيه. وفيه ذكر أن جميع العلوم (مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه لا ساحل له) [6].

ثم ذكر من أفعال الله تعالى الشفاء والمرض، كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء:80)، قال: وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا من يعرف الطب بكماله؛ إذ لا معنى للطب إلا معرفة المرض بكماله وعلاماته، ومعرفة الشفاء وأسبابه ... إلى أن قال: (لا يعرف كمال معنى قوله: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:6 - 8) إلا من عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرًا وباطنا، وعددها وأنواعها، وحكمتها ومنافعها ... إلخ) .. فهذان مثالان لتخريج الغزالي العلوم المختلفة من القرآن.

ومن هنا نفهم معنى قول الغزالي: إن علوم الأولين والآخرين ليست خارجة عن القرآن، فكأنه يقول: إن العلوم كلها خادمة لحسن فهم القرآن، كما أن القرآن نفسه يشير إليها، ويدل عليها، بصورة من الصور الضمنية أو الكلية.

وقد قال في الإحياء: (بل كل ما أشكل فهمه على النُّظَّار (علماء المعقول) واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات، ففي القرآن إليه رموز، ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بدركها) [7].

ابن أبي الفضل المرسي والسيوطي

وجاء بعد الغزالي ابن أبي الفضل المرسي، والذي سجل السيوطي رأيه في (الإتقان) [8] وهو أشبه برأي الغزالي، فقد ذكر –فيما ذكر– أن أصول الصنائع مذكورة في القرآن كالخياطة في قوله: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ) (الأعراف:22)، والحدادة: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) (الكهف: 96)، والبناء في آيات [9]، والنجارة: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) (هود: 37)، والغزل: (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا) (النحل92)، والملاحة: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ) (الكهف: 79)، والفخارة: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) (القصص: 38) ... وهكذا.

وقد أيد السيوطي في (الإتقان) وكتاب (إكليل التأويل في استنباط التنزيل) هذا التوجه، واستدل له بالقرآن والحديث، وبقول ابن مسعود والحسن والشافعي وغيرهم.

أبو إسحاق الشاطبي والتفسير العلمي

ولقد رأينا الإمام أبا إسحاق الشاطبي رحمه الله، قد عارض هذا التوجه في كتابه (الموافقات) معتمدا على أن الشريعة نزلت في الأساس لقوم أميين، فهي –على حد تعبيره- شريعة أمية، فلا ينبغي أن نخرجها إلى حد التكلف والتعقيد والتفلسف. وإن بالغ في ذلك، حتى تعقبه العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير)، كما تعقب بعضه العلامة الشيخ عبد الله دراز في تعليقه على الموافقات [10].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير