تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا إخالُ أن مسلما يخالفني في معيارية فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو معلم ذلك الجيل ومرشده، أقصد فهمه للقرآن، ولا أقول إن كل ما ورد في التراث التفسيري الإسلامي كان حاضرا في ذهن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولكن فهمه هو ـ بالضرورة ـ المعيار، ومشكلتنا الوحيدة هي ما وصلنا من أقواله الكريمة في التفسير وكيفية وصول تلك الأقوال والأخبار. وإلا فالمرجع الأول والأخير في فهم القرآن هو فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) أو ما سُمِّي بـ (التفسير النبوي). ويليه فهم الصحابة و بعد ذلك التابعين، وذلك لأن الصحابي يقول قوله يرويه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أو فهمه من التجربة الحية والتلقي المباشر ومعايشة الظروف وأسباب النزول، علاوة على الجانب اللغوي الذي لا ينازعهم فيه أحد. والتابعي يفسّر وقد أخذ تفسيره على الأرجح من الصحابي أو فهمه من التجربة التي لا تزال حية حينها وبحكم الاتصال الثقافي والقرب الزماني والمكاني ووحدة اللغة والثقافة.

وأوضح أكثر وأقول: لا أقصد من (فهم القرآن) ما يصحّ أن نعتبره (دَرْسـ) ـا للقرآن، أنا لا أقصد أن كل ما يدخل في باب التفسير وكل التراث التفسيري الإسلامي قد أُخِذ / أو يجب أن يؤخذ / من الجيل الإسلامي الأول. بل أنا أدافع عن معيارية الفهم اللغوي البسيط والمباشر لذلك الجيل، وتحديد المعاني الإجمالية للآيات، وتشخيص أسباب النزول والأمور المقصودة التي لا يمكن البت فيها إلا من خلال الرواية والاطلاع على الحوادث التي جرت وصاحبت نزول الآيات.

أنا أقول هذا لأنني أعرف أن مدرسة التفسير العلمي قامت على عدم الالتفات إلى فهم الجيل الإسلامي الأول للقرآن، حتى الفهم اللغوي البسيط.

أضرب لذك أمثلة:

1. الجيل الإسلامي الأول بل وكل الأمة، كانوا يفهمون من عبارة (أدنى الأرض) أنها تعني (أقرب الأرض) بمعنى أقرب مكان من الأرض أو الناحية المقصودة، وأما كتاب التفسير العلمي أو بعضهم فيقولون إن المقصود من تلك العبارة هو (أخفض مكان في الكرة الأرضية)، مع أنه لم يفهم أحد كلمة (أدنى) على أنها تعني (أخفض) ولم تأت كلمة (أرض) في القرآن بمعنى (الكرة الأرضية) بل أتت بمعنى الأرض المبسوطة التي نراها دائما أو أحيانا بمعنى ناحية من الأرض أو بلاد معينة وهذا إذا كانت (ال) الداخلة على الكلمة تدل على العهد (المعهودية).

2. الأمة فهمت من (دحاها) أنها تعني (بسطها)، وأما البعض من كتاب التفسير العلمي فيقولون تعني (جعلها كالبيضة)! وهذا الفهم مهزلة بحدّ ذاتها لا مجال لبسط القول فيها.

3. الأمة فهمت من قوله تعالى (يا معشر الجن والإنس، إن استعطتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا .. )، أنه تهديد وتعجيز، وأما كتاب التفسير العلمي فيرون أنه حثّ على غزو الفضاء وتنبؤ به! الآيات تقول بأن الإنسان لا يمكنه (النفاذ) وأما هم فيقولون إن هذه الآيات قالت بأن الإنسان يمكنه ذلك! أليس هذا مهزلة يجب التنزه منها؟

4. الأمة فهمت من كلمة (نطفة) أنها تعني الماء القليل وخصوصا المني. وأما مدرسة التفسير العلمي فتقول إن المقصود هو (الحيوان المنوي)!

5. الأمة فهمت من كلمة (علقة) أنها تعني (الدم المتجمد)، وأما التفسير العلمي فيقول بأن المقصود من (علقة) هو الحيوان المعروف الذي يمتص الدم بحجة أن الجنين في هذه المرحلة تشبه ذلك الحيوان من ناحية الشكل ومن ناحية امتصاص الدم! وبعضهم يقول بأن (علقة) تعني خلايا الجنين المتعلقة بجدار الرحم!

6. الأمة فهمت من كلمة (مضغة) أنها تعني لحمة بقدر ما يُمضَغ، وأما كتاب التفسير العلمي فيقولون إنها تعني (اللحمة الممضوغة فعلا) بحجة أن الجنين في تلك المرحلة يشبه بشكله اللحم الممضوغ!

7. أكثر الأمة فهمت من قوله (وإنا لموسعون) أنه يعني (لقادرون) مثل قوله (على الموسع قدره)، والقليلون فهموا الآية على أنها تعني أن الله تعالى إذ خلق السماء خلقها واسعة أو جعلها واسعة وهو يخلقها. ولم يفهم واحد من الأمة أنه يعني أن الله تعالى يوسّع السماء تدريجيا ولا يزال كما يقول سادة التفسير العلمي!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير