تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هناك نوع من الكلام يُقال للناس عامة لأنه أكثر تأثيرا في النفوس وأبقى أثرا، يعتمد على القَصَص والصياغة القَصَصية، فيُقال ـ مثلا ـ إن الشمس تسجد وتبقى ساجدة إلى أن يؤذن لها بالطلوع .. وكل واحد يفهم من هذا الكلام على طاقته وبحسب ثقافته!! ومن هذا القبيل قولُه تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان)، فتوهّم بعض المفسّرين أن ذلك العرض والإباء حدث حقيقة وأن الله وهب الإدراك للسماوات والأرض والجبال وعُرِضت عليهم الأمانة!! مع أن التعبير كله تمثيل يعتمد على التخييل والتصوير.

وحتى تتحقق أخي جمال من ذلك يمكنك أنت ومجموعة من زملائك أن تستخدموا الجوّال لتتصلوا بمسلمين في بلاد مختلفة لتأخذوا شهادتهم أن الشمس لا تزال طالعة ولا تغيب عن الأرض اطلاقاً.

أما هذا فهو نكتة بالنسبة لي (ابتسامة). أضحكتَ سنّي، أضحك الله سنّك!

5. قد تقول لي إن سجود الشمس تحت العرش هو أمر غيبي لا نحسّه ولا ندرك كنهه، عندها أقول لك: لندع الاستشهاد بالحديث على فهمنا الخاص ولنؤمن به كغيب لا يُدرك كنهه. وإذا أمكن أن نؤوّل الحديث نؤوّله قبل أن نلجأ إلى رده (رد وهم الراوي).

أما عن سجود الشمس تحت العرش؛ فهو تعبير عن انقياد الشمس المسخَّرة للقانون الكوني. فيمكن أن يُفهَم من (سجود) ها أن المقصود هو إطاعتُها هذه. وأما أن هذا السجود يتمّ تحت العرش، فهو من لوازم التعبير عن السجود والانقياد لله، فهو سجود لله، وهذا السجود يتمّ ـ حتما ـ تحت العرش، فالعرش هو فوق السماوات السبع، هو في أعلى نقطة من العالم المخلوق. العرش هو دائما فوق المستوى الأعلى من الكون، فحينما لم يكن من وجود مادي سوى ما كان للماء كما يقول تعالى (وكان عرشه على الماء)؛ كان الماء أعلى مستوى فكان العرش فوقه، وأما الآن فأعلى مستوى هو السماء السابعة فالعرش فوقها الآنَ، وهكذا.

ملخص الفكرة: الشمس طائعة لله في غروبها، وهي ـ لا محالة ـ تحت العرش. فتأمل.

6. الحديث الذي نصه:" سألت رسول الله عن قول الله عز وجل: والشمس تجري لمستقر لها، قال: مستقرها تحت العرش". مفهوم ومنسجم، فالشمس تجري وسوف تستقر ومستقرها تحت العرش. ومعلوم أن الشمس تجري في مدار هائل والمجموعة الشمسية تتبعها في جريانها والله يقول إنها ستستقر.

يا أبا عمرو! نحن نفسر النصوص ككلّ، ونفسر بعضها ببعض. فهذا الحديث المختصر (مستقرها تحت العرش) ليس منفصلا عن الصياغات الأخرى ولا يمكن التعامل معه على حدة. وتذكَّر أن الأحاديث ذكرت هذا الاستقرار كحدث ليلي يتكرر كل ليلة (وكذلك السياق في سورة يس يدلّ على هذا). بينما جريان الشمس في مدارها الهائل حول المجرة لا يتكرر إلا مرة بعد مرور ملايين السنين، وأتذكر أنني قرأت في أحد المراجع العلمية الموثوقة أنه تم دوران الشمس حول المجرة (18) مرة فقط منذ أن خلقها الله تعالى. وهذا يعني أن الموضوع ليس له علاقة بالإشارة القرآنية التي تتعلق بحدث ليلي يتكرر كل ليلة.

والأحاديث وكذلك الآية، تفيد أن جريان الشمس واستقراره حدثان متعاقبان في اليوم والليلة، فيكون جريان ثم غروب واستقرار. بينما الفكرة العلمية المستخدَمة في التفسير العلمي ليست هكذا، بل هي تؤكّد على جريان الشمس إلى النهاية وفي النهاية يكون استقرار ..

7. أما الأحاديث الأخرى فيمكن فهمها الفهم الذي يمنع ردّها كالآتي: الشمس تجري حتى تكون تحت العرش فيؤذن لها أن تعود في مدارها الهائل وتبقى تطلع من الشرق (أي عندما تعود في مدارها يبقى واقعها أنها تطلع من الشرق) حتى يأتي اليوم الذي تطلع فيه من الغرب، فيكون ذلك من علامات القيامة. وهذا الفهم أقدمه على فهمك حتى لا نلجأ إلى رد شهادة واحد لا ندري حفظ أم نسي.

ما تتحدث عنه أخي الكريم عن دوران الشمس في مدارها الهائل حديث عن عملية تستغرق ملايين السنين! فلا يمكنك أن تتحدث عنها كعلامة يشعر بها البشر أو يلاحظونها. وهل تتوقع أن تبقى البشرية على الأرض لملايين الملايين الأخرى من السنين حتى تكمل الشمس دورة أخرى حول المجرة؟

ويبدو أنك تقصد أنه حين تستأنف الشمس دورتها حول مركز المجرة تتحول جهة طلوعها إلى جهة غروبها الحالية على الأرض! من أين لك أن تثبت هذا؟! ولماذا تختلف الجهة؟!

هذا الفهم الذي تقترحه لا يحلّ شيئا، بل يثير جملة من الإشكالات!

ومن الواضح تماما أن الأحاديث التي تتحدث عن علامات القيامة ومنها طلوغ الشمس من مغربها، إنما تقصد أن ذلك التحول يحدث في ليلة واحدة، ففي اليوم قبل الأخير يكون طلوع الشمس عاديا وطبيعيا، ولكن في اليوم التالي تطلع الشمس من الجهة التي غربت منها في المساء أي تطلع من المغرب. هذا هو المقصود. أي أن القانون الكوني يتغير، أي تؤمَر الشمس باتباع قانون كوني آخر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير