كما نجد أسفار العهد القديم لا تتحدث عن موسى - عليه السلام - بلسان المخاطَب؛ أي: إنها لم تنزل عليه، وإنما تتحدَّث عنه بضمير الغائب؛ أي: إنها تراثٌ جُمع ودوِّن بعد وفاته، ومن ذلك على سبيل المثال:
"وكلم يهوه موسى .. وكلم يهوه موسى وجهًا لوجه" (الخروج 33: 11).
"وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (العدد 12: 3).
"فسخط موسى على وكلاء الجيش" (العدد 31: 4).
"موسى رجل الله" (التثنية 31: 1).
"ومات هناك موسى عبد الرب" (التثنية 34 - 35).
"فقال الرب لموسى" (الخروج 6: 1).
فهل هذا الكلام نزل على موسى، أو أنها إضافات وتأليفات أُدخلت في هذا التراث؟
ثم إن هناك اختلافات الكنائس النصرانية في عدد أسفار العهد القديم التي تؤمن بها هذه الكنائس:
فالبروتستانت يؤمنون بستة وستين سفرًا.
والكاثوليك يؤمنون بثلاثة وسبعين سفرًا.
والأرثوذكس يؤمنون بستة وستين سفرًا.
وأخيرًا: شهد البابا شنودة الثالث - بابا الأرثوذكس المصريين - في عظته الأسبوعية بأن أسفار العهد القديم الحالية، قد حذفت منها الأسفار القانونية التي تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأنها جزء من العهد القديم.
الدليل الرابع:
هي شهادة علماء اليهود أنفسهم، والذي جمع دراساتِهم العالمُ اليهودي "زالمان شازار" في كتاب عنوانه: "تاريخ نقد العهد القديم من أقدم العصور حتى العصر الحديث"، الذي امتلأ بالشهادات اليهودية القاطعة بأن أسفار العهد القديم إنما هي ثمرةٌ لتراكمٍ شفهي تكوَّن عبر قرونٍ طويلة، وعصور مختلفة، وبيئاتٍ متباينة، وثقافات متمايزة، ومصادرَ متعددة، ومؤلفين مختلفين.
فمثلاً:
إن سفر إشعيا هو عبارة عن ستة أسفار كُتبت في أزمنة مختلفة، عاش أشعيا الأول في عصر يوثام وأحاز ويحزقيا، وكتبت الإصحاحات (24 - 27) في عصر يوشياهو، وكتب الإصحاحان (34 - 35) مباشرة بعد الخراب، وكتب الإصحاحان (13 - 14) بعد حزقيال بثلاثين سنة.
وقسم سفر إرميا إلى أجزاء مختلفة، ووجد في سفر زكريا أقوال ثلاثة أنبياء، أقوال النبي الأول تشمل الإصحاحات (1 - 6)، وعاش في عصر هوشع، وتشمل أقوال الثاني الإصحاحات (7 - 12)، وكان في عصر يهوياقيم وصدقياهو، وتشمل الإصحاحات (12 - 14) أقوال النبي الثالث، باستثناء (13: 7 - 19) الذي تنبَّأ بعد العودة من بابل.
الدليل الخامس:
أن القداسة التي أضيفت على أسفار هذا الكتاب "المقدس" هي طارئة، حدثتْ بعد عصر موسى - عليه السلام - بأكثر من عشرة قرون، فلم يكن هناك من يقدِّس هذه الأسفار قبل عصر المكابيين (168 - 37 ق. م).
فإنه حتى عصر المكابيين لم تكن الأسفار المقدسة قد أقرت، وأن حكماء التلمود "الفرنسيين" قد اختاروا هذه الأسفار من بين بقية الأسفار، وذلك زمن الهيكل الثاني، ثم رتَّبوها ورفعوها لمرتبة الكتاب المقدس.
ومن هنا، فإن جميع ما جاء في القرآن الكريم عن التوراة، والتي فيها هدى ونور؛ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44]، {وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة: 43]، فإن المراد بها توراة موسى - عليه السلام - وليست هذه الأسفار التي دوِّنتْ بعد موسى بثمانية قرون.
الأدلة على تحريف الإنجيل:
يتبع دكتور عمارة ذات المنهج المنطقي والموضوعي والاستقرائي في إقامة الأدلة على حدوث التحريف.
الدليل الأول:
لقد جاء المسيح - عليه السلام - بإنجيل باللغة الآرامية، فأين هو هذا الإنجيل، إنجيل المسيح؟
إن العالم كله بجميع كنائسه، وبكل مذاهب النصرانية فيه - لا يملك نسخةً واحدة من هذا الإنجيل.
من هنا، فإن الإنجيل الذي جاء به المسيح، والذي تحدَّث عنه القرآن الكريم باعتباره ذِكرًا أنزله الله؛ {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 46].
والذي يطلب من النصارى أن يقيموا أحكامه؛ {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} [المائدة: 47].
هذا الإنجيل لا وجود له لدى أي كنيسةٍ من كنائس النصرانية.
الدليل الثاني:
إن الأناجيل الأربعة المشهورة والمعتمدة، اثنان منها كَتَبَهما اثنان من الجيل التالي لجيل المسيح، فمرقس تلميذ لبطرس، ولوقا تلميذ لبولس، فليسا شاهدينِ على ما كتبا.
¥