والإنجيل الثالث (إنجيل يوحنا) تُرجِّح الدراساتُ المستندة إلى النقد الداخلي أنه كُتب بواسطة يوحنا آخر في نهاية القرن الأول الميلادي.
فنحن أمام ثلاثة أناجيل من أربعة، لا علاقة لها بعصر المسيح.
الدليل الثالث:
إن هذه الأناجيل قد انتقلتْ نصوصُها، وتغيَّرت ألفاظُها مراتٍ عديدةً بالترجمات إلى العديد من اللغات.
إن إنجيل متى قد كُتب أولاً بالآرامية لا بالعبرية، ولقد تُرجم إلى اليونانية، وضاع النص الأول وبقي الثاني.
ويضرب الدكتور عمارة بعض الأمثلة:
أ- لقد تُرجم إنجيل مرقس ترجمةً مصرية جديدة، ومن يقارن هذه الترجمةَ بنظيرتها العربية الموجودة ضمن مجموعة "الكتاب المقدس"، سيجد العديد من الاختلافات في كل صفحة من الصفحات.
ب- لقد شهد عقد التسعينيات من القرن العشرين ترجماتٍ جديدةً لنصوص العهدين القديم والجديد إلى العديد من اللغات الحية، وقفتْ وراءها الحركاتُ الأنثوية الغربية المتطرفة، وتم في هذه الترجمات الجديدة تحييد الأسماء الكثيرة المذَّكرة في هذه النصوص؛ كي لا تكون الثقافةُ الدينية فيها "ثقافة ذكورية".
وهذه الترجمات الجديدة يتم الترويج لها، والإشاعة لثقافتها، بواسطة قوى العولمة وما بعد الحداثة.
الدليل الرابع:
إننا إذا نظرنا في افتتاحية إنجيل لوقا - الإصحاح الأول: 1 - 4، فنقرأ قول لوقا - تلميذ بولس -: "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة الأمور المتيقنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيتُ أنا أيضًا - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفليس؛ لتعرف صحة الكلام الذي علمت به".
فنحن أمام نص يقول لنا: إن كثيرين - وليسوا أربعة فقط - قد ألَّفوا أناجيلَ كثيرةً.
الدليل الخامس:
جاء في "دائرة المعارف البريطانية" عن هذه الأناجيل الأربعة:
أ- إنجيل متى: إن كون متى هو مؤلف هذا الإنجيل أمرٌ مشكوك فيه بجد، ومن المسلَّم به أن متى قد اعتمد في كتابة إنجيله على إنجيل مرقس، أول الأناجيل تأليفًا، حيث حوى 600 عدد من أعداد إنجيل مرقس البالغة 621 عددًا؛ أي: 90% من محتويات إنجيل مرقس.
ب- إنجيل مرقس: "في أفضل المخطوطات، فإن الأعداد من 9 إلى 20 تعتبر عمومًا إضافات متأخرة، والأعداد الأخيرة - 16: 9 - 20 غير موجودة في بعض المخطوطات، ويوجد عوضًا عنها مقاطع أقصر في مخطوطات أخرى".
جـ- إنجيل لوقا: "إن مؤلف هذا الإنجيل يظل مجهولاً".
د- إنجيل يوحنا: وهو الإنجيل الوحيد الذي نص بكل صراحة على ألوهية عيسى، حيث نقل عن عيسى أنه قال: "أنا والآب واحد" (يوحنا 10 - 30)، "الذي رآني فقد رأى الآب" (يوحنا 14: 9)، "أنا في الآب والآب في" (يوحنا 14: 10).
ويتعارض هذا الإنجيل مع الأناجيل الأخرى في أمور مهمة وحاسمة، مثل: صلب المسيح، ورواية القربان، وتعميد المسيح، والمدة التي استغرقتها رسالة المسيح.
الدليل السادس:
هو أن تاريخ كتابة هذه الأناجيل متأخِّرٌ عن عصر المسيح وتاريخ وفاته.
فأقدم هذه الأناجيل - كما تذكر ذلك "الموسوعة البريطانية" - هو إنجيل مرقس، الذي كُتب ما بين سنة 65م وسنة 70م؛ أي: بعد ثلاثين عامًا من رفع المسيح - عليه السلام.
وإنجيل متى كتب ما بين سنة 70م وسنة 80م.
وإنجيل لوقا كتب سنة 80م.
أما إنجيل يوحنا، فكتب في نهاية القرن الميلادي الأول؛ أي: سنة 100م.
وكما يقول الأسقف "بابياس" المتوفى سنة 130م: "فإن مرقس الذي كان ترجمانًا لبطرس قد كتب القدر الكافي من الدقة التي سمحتْ بها ذاكرتُه ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله، ولكن دون مراعاة للنظام؛ لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع، وإن كان تابعًا شخصيًّا له، لكنه في مرحلة متأخرة قد تبع بطرس".
الدليل السابع:
يقول الأب "كانينجسر" R.P.Kanenengesser - الأستاذ بالمعهد الكاثوليكي بباريس - يقول: "لا يجب الأخذ بحرفية الأناجيل، إنهم حفظوا منها نصيبًا، وإنهم حرَّفوا النصيب الذي أوتوه، وأنه أعطى عيسى الإنجيل، وقال في أتباعه مثل ما قال في اليهود، فهي كتابات ظرفية خصامية، حرَّر مؤلفوها تراث جماعتهم المسيحية".
الدليل الثامن:
إن الأصول الأولى لكل الأناجيل قد فُقدتْ، وأقدم المخطوطات لهذه الأناجيل الحالية يفصل بينها وبين المسيح وعصرِ مَن نُسبت إليهم هذه الأناجيل ما يقرب من ثلاثمائة عام.
¥