ولقد تحدث الشيخ محمد عبده (1266 - 1323هـ/ 1849 - 1905م) عن عقيدة العصمة هذه، وعن معانيها وأبعادها، فقال: "إن من لوازم الإيمان الإسلامي: وجوب الاعتقاد بعلو فطرة الأنبياء والمرسلين، وصحة عقولهم، وصدقهم في أقوالهم، وأمانتهم في تبليغ ما عُهد إليهم أن يبلِّغوه، وعصمتهم من كل ما يشوِّه المسيرة البشرية، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار، وتنفر منه الأذواق السليمة، وأنهم منزَّهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات المتقدمة".
لذلك؛ فإننا نجد أنفسنا - في عقيدة العصمة للأنبياء والمرسلين - أمام مدرستين في الفكر الديني:
1 - المدرسة القرآنية: التي تقرر العصمة للأنبياء والمرسلين فيما يبلِّغون عن الله، ومما ينفِّر ويشين.
2 - ومدرسة أسفار العهدين القديم والجديد: التي تزدري الأنبياء والمرسلين، عندما تجرِّدهم من العصمة، وتصفهم بالأوصاف الرديئة التي يتنزَّه عنها الناس الأسوياء، فضلاً عن المختارِينَ المصطفَيْنَ من الأنبياء والمرسلين.
? فأبو الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - في المدرسة اليهودية والنصرانية يخطئ في تقدير أخلاق المصريين، ويتواطأ مع زوجه سارَّة على الكذب، وعلى الدياثة، وإسلام زوجه الجميلة لمن يعاشرها في الحرام؛ طمعًا في بقائه حيًّا، وطمعًا في الغنم والبقر والحمير والجمال والعبيد؛ (تكوين 12: 10 - 20).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة أبي الأنبياء، الأمَّة، والإمام، والصالح، المصطفى في الدنيا والآخرة، والأوَّاب، الحليم، المنيب، الصدِّيق، خليل الرحمن، الأسوة الحسنة، الناظر في الملكوت ليقيم الدليل العقلي على التوحيد، ومحطِّم الأصنام، ومطهِّر البيت الحرام، ورافع قواعده، والذي صارت النار بردًا وسلامًا عليه، والممتثل لأمر ربه أن يذبح ولدَه البكر الحبيب والوحيد.
? وكذلك الحال مع نبي الله لوط - عليه السلام -:
? فصورته في العهد القديم صورة الذي سكر وزني بابنتيه؛ (تكوين 9: 30 - 38).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة العبد الصالح، صاحب العلم والحكمة، والناهي عن الفحشاء والمنكر، والمتطهر الذي نجَّاه الله.
? وكذلك الحال مع نبي الله داود - عليه السلام -:
? فصورته في العهد القديم هي صورة الفاسق، المتلصص على عورات الناس، والزاني، والمتآمر، والقاتل، والمغتصب للنساء والزوجات؛ (صموئيل الثاني 11:1 - 26).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة الخليفة، الأوَّاب، الذي سبَّحتْ معه الطير والجبال، وصاحب الزلفى وحسن المآب.
? وكذلك الحال مع نبي الله سليمان - عليه السلام -:
? فصورته في العهد القديم هي صورة زير النساء، الخارج عن أوامر الرب، الباني النُّصب لعبادة الأوثان من دون الله، والعابد لهذه الأوثان؛ (الملوك 11: 1 - 11).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة صاحب العلم والفضل، الذي علَّمه الله منطق الطير، وأعطاه الله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، والشاكر لأنعُم الله.
ثم تحدث دكتور عمارة بعد ذلك عن معجزة القرآن، وأنها تدهش العقلَ ولا تشلُّه عن الفعل، وإنما تستنفره وتستحثُّه ليتفكَّر ويتدبر في الإعجاز الذي جاء به القرآن الكريم، والذي تحدَّى به الإنس والجن تحديًا أبديًّا أن يأتوا بشيء من مثل هذا الذي جاء به القرآن الكريم.
وذلك من خلال سرده لآيات القرآن، وبيان الإعجاز الذي بها.
وأخيرًا:
فلقد توسَّل كاتب هذا المنشور التنصيري بالكذب والتدليس؛ ليصل إلى مقاصده في إثبات عقائد النصارى في تأليه المسيح، وصلبه، وقتله على الصليب، وفي سبيل ذلك كذب ونسب إلى الإمام الفخر الرازي رفضه فكرة إلقاء الشبه - شبه المسيح - على يهوذا؛ {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157].
وكذلك صنع فيما نسبه إلى الإمام البيضاوي، وذلك عندما صوَّر لقارئه أن البيضاوي لا يتبنى نفي صلب المسيح وقتله، وإنما يقول: إن كيد اليهود ذهب وطاش، إذ عاد المسيح حيًّا ورفعه الله إليه، فكأن البيضاوي - وفق هذا الكذب والتدليس - يعترف بأن المسيح قد قتل، ثم عاد حيًّا بالقيامة.
فيقول دكتور عمارة: إن هذا الذي ادعاه هذا الكاتب على الإمام البيضاوي هو كذب صراح، وافتراء بواح، فالبيضاوي كان واضحًا وحاسمًا - ككل علماء الإسلام - في نفي الصلب والقتل عن المسيح - عليه السلام - وكان واضحًا وحاسمًا في القطع بأن اليهود قد حرَّفوا التوراة.
ويوصي دكتور عمارة في النهاية بالآتي:
1 - عدم تداول كتاب "مستعدين للمجاوبة"؛ لما يثيره من فتنة بسبب تكذيبه للقرآن، وافترائه على علماء الإسلام، وازدرائه بالأنبياء والمرسلين.
2 - ونشر هذا الرد ملحقًا بمجلة الأزهر؛ لأن التجاوزات التي تضمنها هذا الكتاب قد نشرت بين الناس، الأمر الذي يجعل الردَّ عليه واجبًا؛ لتحصين العقول ضد الأكاذيب والافتراءات.
المصدر: الألوكة ( http://www.alukah.net/articles/1/9509.aspx) .
¥