تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي (ص:231) قال -وهو يتحدث عن احتمال وقوع النقص في سورتي براءة والأحزاب-: "لقد اشتملت السورتان على نقدٍ داخليٍّ ومراجعة وحساب وكشف عورات -وخاصة سورة براءة-، لم يرد مثله في أية سورة أخرى. ولا نعتقد أن ما سقط منهما من الآيات -إذا كان هناك سقوط بالفعل-، يتعلق بهذا الموضوع، لأن ما احتفظت به السورتان كان عنيفاً وقاسياً إلى درجة يصعب معها -بالنظر إلى أسلوب القرآن في العتاب- تصور ما هو أبعد من ذلك" ..

وقال: "وكل ما يمكن قوله -على سبيل التخمين لا غير- هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة هو القسم الأول منها، وربما كان يتعلق بذكر المعاهدات التي كانت قد أبرمت مع المشركين. ذلك أن سور القرآن، بخاصة الطوال منها، تحتوي عادة على مقدمات تختلف طولاً وقصراً مع استطرادات، قبل الانتقال إلى الموضوع أو الموضوعات التي تشكل قوام السورة".

ثم قال: "أما سورة الأحزاب، فيبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه .. "

هذه اقتطافات مستلة من أسيقتها، لأنها تتجاهل أنها فهوم الجابري لروايات لم يقم باختلاقها بل حاول فهمها، نعم ردها كثيرون لأنهم لم ينطلقوا من رؤية أوسع قدمت لها قبل قليل، لكنه غير ملزم بها. والحق يقال أن تعليله لرد رواية النقص في سورة الأحزاب قد كان فيه موفقا كل التوفيق بل إنه سحب البساط من تحت من يريد أن يستغل الرواية مجددا في المستقبل.

ونحن لا ننكر أن أسلوب الجابري في كتابه الآنف الذكر يجعل إمكانية أن يفوت جامعي القرآن شيءٌ منه على خلاف اعتقاد الجم الغفير من المسلمين، لكن القول بجواز أن يكون فات من جمع القرآن شيء منه لا يُخرج القائل به من الملة إذا كان ظنه قد جاءه من فهمه للنصوص المروية في هذا الشأن.

ونحن نعلم أن المصاحف العثمانية قد تضمنت ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، وأما أن تكون فُقدت قطع من القرآن بغير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا ما نستبعده بل هو عندنا من المنسوخ لفظا وحكما أو من المنسوخ لفظا فقط كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وأما المنسوخ حكما فقط كـ"فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت" فهو مشهور معروف.

وأما من ظن أن قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتانى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ... ) إنما هو آيتان التصقتا وكانت في الأصل (وإن خفتم ألا تقسسطوا في اليتانى [فافعلوا شيئا يتعلق بهم]) وأن صدر الآية الثانية [كذا] فانكحوا ما طاب لكم .. قد فقد من النص إبان الجمع، فهو من الظنون. ولم أر الجابري تطرق لها.

هذا هو أسلوب الجابري، أسلوب التشكيك في قالب "البحث العلمي" والعبارات الموهمة، (يبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه، ما يمكن قوله على سبيل التخمين لا غير، هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة .. وهكذا).

وقد رتب جزأه الثاني (فهم القرآن الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول) على ما أسماه ترتيب النزول، وههنا أمر يجب التفطن له وهو:

إن كان العلماء قد اختلفوا في ترتيب السور على ثلاثة أقوال معروفة لا يكاد يخلو منها كتاب في علوم القرآن، وهي:

القول الأول: أن ترتيب السور على ما هو عليه الآن لم يكن بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان باجتهاد من الصحابة. وينسب هذا القول إلى جمهور العلماء منهم مالك والقاضي أبو بكر فيما اعتمده من قوليه.

القول الثاني: أن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه صلى الله عليه وسلم.

القول الثالث: أن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وترتيب بعضها الآخر كان باجتهاد من الصحابة.

وقد ذهب إلى هذا الرأي فطاحل من العلماء ولعله أمثل الآراء -كما قال صاحب مناهل العرفان-.

قال السيوطي ما نصه: "الذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءة سور أولا على أن ترتيبها كذلك، وحينئذ فلا يرد حديث قراءة النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز" اهـ.

وقال الزرقاني رحمه الله في مناهل العرفان: والأمر على كل حال سهل حتى لقد حاول الزركشي في البرهان أن يجعل الخلاف من أساسه لفظيا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير