تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم يمضى قائلا تحت عنوان "الجدال حول المسبب الأول"، وهو، كما يرى القارئ، كلام عام يهم المسلم مثلما يهم كل مؤمن بالله سبحانه: "لربما كانت قضية المسبب الأول هى أسهل وأكثر النظريات قابلية للفهم. وهي تعنى أن كل شىء نراه في هذا العالم له سببه، وعندما تذهب إلى أبعد حلقات هذه السببية ستجد المسبب الأول، وهو ما يسمى بـ"الله". إن هذه الفرضية فى اعتقادى لا تحمل مصداقية قوية هذه الأيام لأن السبب فى المقام الأول ليس واضحا كما يتصور بعض الناس. لقد خاض الفلاسفة ورجال العلم فى هذه السببية، وهذه الفرضية السببية ليست بالصلاحية المرجوة التي كانت تؤتي أكلها فى الماضى. ولكن، بمعزل عن كل هذا، سنجد أن فرضية السببية ليست على مستوى عالٍ من المصداقية. ويمكن القول بأننى فى شبابى كنت أجادل بخصوص هذه الأسئلة بكل ما أوتى عقلى من طاقة. ولقد قبلت لوقت طويل بفرضية المسبب الأول، حتى جاء اليوم الذي تخليت عن هذه الفرضية بعد قراءتى لسيرة حياة جون ستيوارت ميل، التى قال فيها: "لقد علمنى والدي أن السؤال عمّن خلقنى لا يمكن الإجابة عليه لأنه يستلزم على الفور سؤالا أبعد من هذا، وهو: من خلق الإله؟ ". لقد بينت لى هذه الجملة القصيرة حتى هذه اللحظة أن مبدأ المسبب الأول هو مبدأ مغالط ومسفسط. فإذا كان لكل شىء مسبب فيجب أن يكون لله مسبب أيضا. وإذا كان كل شىء بلا مسبب فسيكون العالم هو الله! لهذا وجدت أنه لا مصداقية فى هذه الفرضية. إنها تماما مثل الفرضية الهندوكية التى تقول إن العالم رقد على ظهر فيل، وإن الفيل رقد على ظهر سلحفاة. ثم حين يُقال: وماذا عن السلحفاة؟ يبادر الهندي بالإجابة: "دعنا نغير الموضوع! ". إن السببية ليست بأفضل حالا من الطريقة الجدلية السلحفائية. إننا لا ندرك السبب الذى من أجله جاء العالم بلا سبب. وعلى الجانب الآخر لا نستطيع أن نعرف لماذا كانت السببية غائبة وغير موجودة على الدوام. إنه لا يوجد أي داعٍ نفترض بناء عليه أن للعالم بداية. إن فكرة وجود بداية لكل شىء سببها فقر مخيلتنا عن هذا العالم. ولهذا لن أهدر مزيدا من الوقت فى المجادلة حول السبب الأول".

وقد خطر فى ذهنى، وأنا أقرأ ما كتبه رسل فى هذه الفقرة عن السلحفاة الهندية، الحديث النبوى الذى رواه الإمام أحمد فى"مسنده"، ونصه: "يأتي الشيطانُ الإنسانَ فيقول: من خلق السموات؟ فيقول: الله. ثم يقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله ... حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم". ثم أمعنتُ النظر فى الحديث وما يقوله الهنود فوجدت الأمر مختلفا تمام الاختلاف. وهذا هو الوضع الطبيعى، لأن حديث الهنود هو حديث الخرافة والأساطير، على حين أن ما يقوله الرسول هو حديث التوحيد النقى. فالواضح مما يقوله الهنود أننا إزاء خرافات لا صلة بينها وبين العقل والمنطق، إذ العالم عندهم راقد على ظهر فيل، والفيل راقد على ظهر سلحفاة، وهذا أمر لا يقوله الإسلام ولا يمكن أن يقبله لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية واضحة صريحة فى هذا السبيل، فضلا عن مخالفته للواقع الذى نعرفه جميعا. كذلك ليس عندنا هذا التسلسل على أى نحو كان، إذ كل شىء هو من خلق الله كما يقول الحديث وكما يكرره القرآن فى مواضع كثيرة منه. وإضافةً إلى هذا فالهندى، حين يصل الأمر إلى السلحفاة، يطلب تغيير الموضوع، وهو ما لا وجود له فى الحديث. وكل ما هنالك أن الرسول يوصى المسلم بألا يتمادى فيما لا يليق بجلال مفهوم الألوهية، إذ هو سبحانه وتعالى خالق لا مخلوق، وهو الأول الذى لا يسبقه شىء، والآخِر الذى لا يأتى بعده شىء، والقادر قدرة مطلقة، والمريد الذى يقول لأى شىء: "كن" فيكون، لا راد لمشيئته، والقوىّ قوة لا تُحَدّ ... إلخ. وهذه طبيعة الألوهية، ومن ثم كان من غير المنطقى أن يقيس الإنسان الله على نفسه وغيره من المخلوقات فيستاءل عمن خلقه، إذ إن هذا يتنافى مع أبسط قواعد المنطق، فهو سبحانه لو كان مخلوقا ما كان إلها أصلا. ذلك أن الألوهية والاعتماد على خالق يخلق ضدان لا يجتمعان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير