تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن هذا النظام المحكم الذى تسير عليه أمور الكون يدل بكل قوة على وجود إله وراء كل شىء. لكن رَسِلْ يتكلم عن المصادفة بوصفها المسؤولة عن وصول الكون إلى ذلك النظام. إلا أنه قد قاته شىء هام، وهو أننا لو سلمنا بما يقوله عن المصادفة، فمن الذى رتب أمر المصادفة على هذا النحو يا ترى؟ بل قبل ذلك من الذى خلق الكون أصلا؟ ثم بعد هذا من الذى قدّر للمصادفة، متى ما وصلت بالكون إلى هذا الوضع المنظم المحكم، أن تستمر على هذا الوضع فلا تعود إلى اندفاعها المتخبط الأعمى ويعود الأمر كما كان: لا نظام فيه ولا ترتيب؟ يا لها من مصادفة غريبة تلك التى ما إن تصل إلى النظام والترتيب المحكمين الشاملين حتى تتغير طبيعتها فلا تبقى مصادفة كماكانت! وهذا كله لو قلنا بالمصادفة، أما لو شغّلنا عقولنا فإن تلك العقول ترفض مبدأ المصادفة الأعمى وتقبل بدلا منه بالحكمة المطلقة التى تسيّر الكون. بالله عليك أيها القارئ: أيهما أقوم منطقا وأهدى سبيلا؟ أن نقول بالمصادفة العاجزة العمياء الغشوم أم نؤمن بالقدرة والإرادة والحكمة الشاملة المطلقة؟

ويقول رَسِلْ تحت عنوان "الجدال حول القانون الطبيعي": "هناك أيضا جدل شائع يدور حول القانون الطبيعي. لقد كان هذا الجدل موضوعا مفضلا طيلة القرن الثامن عشر، وبخاصة تحت تأثير نظريات السير إسحاق نيوتن عن نشوء الكون. لقد لاحظ الناس أن الكواكب تدور حول الشمس وفقا لقانون الجاذبية، وكانوا يظنوّن أن الله أصدر أمرا لهذه الكواكب كي تتحرك على هذا النحو. لقد كان هذا بطبيعة الحال تفسيرا مريحا وبسيطا وفر عليهم عناء البحث أكثر من ذلك فى شرح قانون الجاذبية. ونحن الآن نشرح قانون الجاذبية بأسلوب أكثر تعقيدا طبقا لنظريات آينشتاين. ولن أعطيكم محاضرة عن آراء آينشتاين بهذا الخصوص لأن هذا يستلزم وقتا أطول، ولكنْ بصفة عامة لم تعد هناك تلك القوانين الطبيعية التى كانت موجودة طبقا لنظام نيوتن حيث كانت الطبيعة، لسبب لا نعرفه، تسير على نفس الوتيرة. لقد اكتشفنا الآن أن كل ما كنا نعده قوانين طبيعية ليس سوى مواضعات بشرية، فأنتم تعرفون مثلا أن الياردة، حتى فى أبعد نقطة فى الفضاء الخارجى، تساوى دائما ثلاثة أقدام. وعلى الرغم من أن هذه معلومة رائعة فمن الصعب جدا تسميتها: قانونا طبيعيا. وكثير مما كنا نعده قوانين طبيعية لا يعدو أن يكون من هذا القبيل. ومن ناحية أخرى إذا أتينا إلى أى شىء يتعلق بسلوك الذرة فسنجد أنها أكثر ابتعادا عن الخضوع للقانون الطبيعى مما كان الناس يظنون، وأن القوانين التي نصل إليها ليست أكثر من متوسطات إحصائية من نفس النوع الذى تأتينا به المصادفة. وهناك، كما نعرف جميعا، قانون ينص على أنكم لو رميتم نردين فستحصلون على ستتين معا بمعدل مرة واحدة في كل ست وثلاثين رمية. ونحن لا نستطيع أن نعد هذا دليلا على أن رمي النرد خاضع لإرادة الرامي. وعلى النقيض من ذلك إذا كانت الستتان تأتيان معا في كل مرة نرمي النردين فسنقول حينها إن هناك تعمدا بالفعل من قِبَل ذلك الرامي. إن قوانين الطبيعة هي على هذا النحو في معظمها. إنها معدلات إحصائية تنبثق عنها قوانين المصادفة، وهذا ما يجعل مسألة القانون الطبيعي أقل إدهاشا لنا من ذى قبل. وفضلا عن هذا، وهو ما يمثل وضع العلم المؤقت، ذلك الوضع الذى يمكن أن يتغير من الغد، فإن فكرة القانون الطبيعي تنطوي على أن ثمة واضعا لهذا القانون، مما يكشف عن خلط بين القانون الطبيعي والقانون البشري. بيد أن القوانين البشرية إنما هى أوامر توجب عليكم التصرف بطريقة معينة بمستطاعكم اتباعها أو نبذها. لكن القوانين الطبيعية ليست على هذه الشاكلة، إذ هي تصف لكم كيفية تصرف الأشياء. ولأنها مجرد وصف من ذلك النوع فإنكم لا تَقْوَوْن على الجدال بأن هناك من يأمر هذه الأشياء بالتصرف على هذا النحو، لأنه حتى لو صح هذا الفرض فإنكم لا تلبثون أن ترتطموا بسؤال آخر هو: لماذا قضى الله هذه القوانين، ولم يقض غيرها؟ وإذا قلتم ببساطة إنه قد فعل ذلك لما يسببه له من لذة وليس لأى سبب آخر، فإنكم سوف تجدون أن هناك شيئا لا يخضع للقانون الطبيعي، ومن ثم تتوقف سلسلة ذلك القانون. أما لو قلتم، كما يقول عدد أكبر من رجال الدين الأرثوذكس، إن الله في كل القوانين التي اقتضاها دون غيرها كان لديه سبب معين دون غيره من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير