تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال رَسِلْ أيضا إن المسيح قد ظنّ أن قدومه الثاني سيتحقق قبل ممات كل البشر الذين كانوا يعيشون في ذلك الوقت، وأن هناك كثيرا من الآيات تدلل على وجود هذا الظن، منها قوله لتلاميذه: "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم: لا تملكون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان". ولما كان هذا لم يقع ولم يأت ابن الإنسان، والمقصود السيد المسيح ذاته، كان هذا برهانا عند رَسِلْ على أن المسيح قال كلاما غير صحيح، مما يعنى أنه لم يكن يعرف شيئا عما يتحدث عنه وأن ما قاله لا يعدو أن يكون خيالات وأوهاما لا حقيقة لها، ورغم هذا لا يزال هناك من المسيحيين من ينتظر عودته حتى الآن. وفى نظر رَسِلْ أن المسيح لم يكن حكيما حينما بشَّر بقرب مقدمه، وأنه لم يكن على قدرٍ من الحكمة يماثل ما يتمتع به بعض البشر، ولم يكن فائق الذكاء.

وإضافة إلى ما تقدم يأخذ الفيلسوف البريطانى على السيد المسيح إيمانه بالعذاب الأبدى وتهديده بذلك كل من لا يؤمن به، مما لا يلجأ إليه كثير من الدعاة، فكيف يقع فيه المسيح؟ إن مثل هذا التهديد من شأنه أن يخدش صورته. كما أخذ عليه أيضا أنه كان خشنا فظا مع كل من خالفه لا يعرف التسامح. أما سقراط فلم يفعل شيئا من هذا، وكان رقيقا مهذبا مع من لا يستمعون إليه، فكان من ثم أحكم من المسيح. ولكن انظر إلى المسيح وما كان يقوله لمن لا يصغون إلى دعوته. لقد كان يقول لهم: "يأَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ "، "يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان". ثم يمضى رَسِلْ مؤكدا أن قارئ الأناجيل يشعر أن ثمة استمتاعا من قِبَل المسيح عند الحديث عن عويل الكفار وصرير أسنانهم. كما يورد رَسِل الآية الإنجيلية التي تتحدث عن الخِرَاف والجِدَاء قائلة إن المسيح في عودته الثانية سوف يفرق بين الخراف والجداء، وسيقول للجداء: "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية، النار المعدّة لإبليس وملائكته". ثم يقول المسيح أيضا: "فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ". ويرى رَسِلْ أن أي معتقدٍ يعتمد على التهديد بالنارهو معتقد وحشى ينشر الرعب والخوف مدى الدهور. وينبغى من ثم تحميل المسيح المسؤولية عن كل هذا.

والواقع أن الإسلام يتكلم هو أيضا عن النار ويهدد بها العصاة المتمردين الذين لا يريدون أن يشغّلوا عقولهم فيتركوا الكفر وعبادة الحجارة أو يكفوا عن اضطهاد الضعفاء وأكل حقوقهم. وقد مر بنا أن العقاب الأكيد هو لمن بلغته الدعوة الإسلامية على وجهها الصحيح وفكر فيها ثم ظهر له وجه الحق، لكنه آثر العناد وركب رأسه وأصر على الكفر والظلم وأكل حقوق الآخرين. ثم إن الإسلام يخاطب دائما العقل ويحتكم إليه حينما يختلف الرسول والكفار، فيأمرهم بالنظر فى السماوات والأرض ويعرض عليهم الأدلة والبراهين طالبا منهم أن يقلبوا فيها البصر، قائلا لهم: "وإنا أو إياكم لَعَلَى هُدًى أو فى ضلالٍ مبين"، "قل: لا تُسْأَلون عما أجرمنا ولا نُسْأَل عما تعملون". فأى إنصاف أحسن من هذا؟ ثم إن فريقا من علماء المسلمين يقولون بعدم استمرار العقاب الأخروى، إذ سوف يأتى اليوم الذى تنتهى فيه النار ولا يكون ثم عقاب بعد ذلك. وعلى كل حال فالحسنة فى الإسلام بعشر أمثالها، والسيئة بمَثَلٍ واحد فقط إن لم يغفر الله للمخطئ، وكثيرا ما يحدث، إذ وعد سبحانه الذين أسرفوا على أنفسهم بغفران جميع الذنوب، ومن ثم فلا مجال للقنوط من رحمة الله. كما أن دخول الجنة أمر فى متناول من يريد، إذ قد يفوز بها من سقى كلبا عطشان شربة ماء. ثم بعد هذا لا تهم شخصية من سقى الكلب ولو كانت مومسا تتاجر بعرضها مع الزناة والفاسقين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير