تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لهذا العصر .. و لأجيال قادمة!

بين أبناء الإسلام ..

و في رنوّهم إلى أمة الدعوة المحترقين في الأرض!

بل رنوّ أهل الأرض إلى بصيص من أنوار كتابهم!

لقد أشبهت حالة بديع الزمان النورسي – إلى حد ما - حالة متصوفة الصدر الأول، من أمثال الإمام الجنيد والحارث بن أسد المحاسبي وأضرابهما، ممن لم يشتغلوا بالألقاب والأقطاب، ولا حتى التزموا شيخا معينا على التحديد دون سواه؛ في سيرهم إلى الله، وإنما التزموا سنة الرسول صلى الله وسلم في مجمل عبادته. فتحققوا بالمعاني الكبار من حقائق القرآن، عند ولوج معارجه بين سبحات الليل والنهار.

ومن هنا فقد ألغى – رحمه الله - وسائط المشايخ، وتتلمذ على النبي صلى الله عليه وسلم في سيره إلى الله. وهي مرتبة أعلى في سلم مراتب الولاية، كما بينه في النص المذكور، نقلا عن الإمام السرهندي. أعني قوله:

(والولاية الكبرى:

هو فتح الطريق إلى الحقيقة مباشرة، دون الدخول في برزخ التصوف، وذلك بوساطة وراثة النبوة.)

ومن هنا كان العنصر الثاني في هذه المقارنة النورية هو:

ب- المعرفة القرآنية مباشِرَةٌ والمعرفة الصوفية برزخية:

والبرزخ المعرفي إنما هو فاصل نفساني، أو ممر روحاني خاص، تَعْبُرُهُ الحقائق؛ فلا بد إذن أن تتأثر المعارف بطبيعته، ولا يمكنها أن تحافظ على أصالتها، وفطرتها الأولى، كما كانت في الأصل.

فالمفاهيم عندما تُتَلَقَّى من معراج القرآن لحظةَ المشاهدة القلبية لحقائقه الإيمانية؛ تكون أوضح وأصفى،

لكنها على غير تلك الصورة من الوضوح؛ إذا ما تُلقيت عبر البرزخ الصوفي؛ لما يخالطها من الارتجاجات الإنسانية، ولما يحجبها من حُجُبِ المسافة النفسانية على حسب مقام الشخص المتلقي وحاله.

ولقد درسنا مفهوم التوحيد كما تلقاه بديع الزمان النورسي عبر المعراج القرآني، مقارَناً بما رسمه أهل الأحوال والمقامات من معان؛ فكان الأمر - كما عبر عنه هو نفسه رحمه الله - في غاية التمايز؛ لما بين المسلكين من فروق دقيقة قد لا تُرى بادئ النظر.

وذلك أنه سئل - رحمه الله - كيف (أن علماء الكلام يثبتون (التوحيد) بعد ظهورهم ذهنا على العالم كله، الذي جعلوه تحت عنوان الإمكان والحدوث؟ وإن قسما من أهل التصوف لأجل أن يغنموا بحضور القلب واطمئنانه، قالوا: (لا مشهود إلا هو)، بعد أن ألقوا ستار النسيان على الكائنات، وقسم آخر منهم قالوا: (لا موجود إلا هو) وجعلوا الكائنات في موضع الخيال، وألقوها في العدم؛ ليظفروا بعد ذلك بالاطمئنان، وسكون القلب. ولكنك تسلك مسلكا مخالفا لهذه المشارب، وتبين منهجا قويما من القرآن الكريم، وقد جعلت شعار هذا المنهج:

"لا مقصود إلا هو"، "لا معبود إلا هو"!

فالرجاء أن توضح لنا باختصار برهانا واحدا يخص (التوحيد) في هذا المنهج القرآني!

- الجواب: إن جميع ما في (الكلمات)، و (المكتوبات)، يبين ذلك المنهج القويم ( ... ) إن كل شيء في العالم يُسنِدُ جميع الأشياء إلى خالقه، وإن كل أثر في الدنيا يدل على أن جميع الآثار هي من مؤثره هو ( ... ) أي أن كل شيء هو برهان وحدانية واضح، ونافذة مطلة على المعرفة الإلهية؛ ( ... ) لأن القانون الساري في الموجودات هو سلسلة تشد جميعها، بعضها ببعض، والأفعال مرتبطة به ( ... ) ذلك لأن الأسماء المتجلية في الكون متداخل بعضها في بعض، كالدوائر المتداخلة، وألوان الضوء السبعة. كل منها يسند الآخر ويمده، كل منها يكمل أثر الآخر ويزينه!). ([14])

إن تجلي الأسماء في الموجودات هو الخاتم، أو السكة، أو الطغراء، التي تدل على المعرفة الإلهية، جوهر (التوحيد الحقيقي).

ولقد بينا ولع النورسي بتتبع هذا المعنى في تحقيق التوحيد ([15]). لا يكاد يذكر هذا إلا من خلال ذاك! قال مثلا: (إن للصانع جل جلاله على كل مصنوع من مصنوعاته (سكة)، خاصة بمن هو خالق كل شيء! وعلى كل مخلوق من مخلوقاته (خاتم)، خاص بمن هو صانع كل شيء! وعلى كل منشور من مكتوبات قدرته (طغراء) غراء لا تقلد، خاص بسلطان الأزل والأبد!) ([16]). ومثله قوله: (وأما التوحيد لأهل الحقيقة؛ فإنما يَثْبُتُ بأن يُثْبَتَ كل شيء مما يشاهد من الأشياء ويسنده إليه سبحانه، ويرى فيه سكته، ويقرأ عليه خاتمه جل جلاله. وهذا الإثبات يثبت الحضور، وينافي الغفلة!). ([17])

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير