تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مزاعم إبراهيم أنيس فى الفقرة الحالية (انظر كتابى: "أصول الشعر العربى- ديفيد صمويل مرجليوث: ترجمة وتعليق ودراسة/ الفصول الخاصة بدراسة مقال مرجليوث). وبالمناسبة فإن موقف أنيس من كتاب فولرز يشبه إلى حد بعيد موقف طه حسين من بحث مرجليوث، إذ أخذه ومطه وأضاف إليه كثيرا من التفاصيل وحور فيه بعض الشىء، ثم أصدره كتابا يحمل اسمه هو كتاب "فى الشعر الجاهلى".

ومن المضحك أن يستدير د. أنيس ويأتينا من الناحية الأخرى قائلا إنه ببحثه هذا العجيب لا يهدف إلى محوٍ أو تغييرٍ فيما تواضع الناس عليه من قواعد إعرابية، بل يهدف إلى البحث العلمى البحت مستعينا بأحدث الآراء فى علم الأصوات (من أسرار اللغة/ 230). وهو كلام أعجب من نظريته المتهافتة، إذ يشبه أن يأتى إنسان إلى زوج لا يجد فى زوجته ما يريب، بل يعيش معها عيشة هانئة سعيدة، فيعكر عليه صفوه بإثارة ريبته فيها، ويملأ نفسه بالهواجس والقلق ويحيل حياته جحيما مستعرا، ثم يستدير من الناحية الأخرى فيطمئنه بكلمتين لا تقدمان ولا تؤخران قائلا إنه لا يهدف من وراء هذا الذى قاله أن يدفعه إلى تطليق زوجته، حاشا لله، ولا إلى التزوج عليها بأخرى، أعوذ بالله، بل إلى دراسة الأمر دراسة علمية، ونعم بالله!

ثم إنك بعد ذلك تقلب صفحات البحث من اليمين للشمال، ومن الشمال لليمين، ومن فوق لتحت، ومن تحت لفوق، بحثا عن المراجع الحديثة المزعومة فلا تجد منها شيئا، بل كل ما تلقاه أينما اتجهت هو الكتب العربية القديمة التى اتهم الأستاذ الدكتور أصحابها أشنع الاتهامات، فلا تملك نفسك من أن تتساءل: ترى لِمَ يعتمد الأستاذ الدكتور على تلك الكتب إذا كان مؤلفوها بهذا السوء الذى نسبهم إليه ووصمهم به؟

أخشى ما أخشاه فى ظل ما نسمعه هذه الأيام من الدعوات المريبة إلى هجر الفصحى والركون إلى العامية أن يكون بحث د. أنيس هو قنبلة موقوتة وُضِعَتْ فى مكانها الحساس الخطير بهدوء شديد بعدما ألصق صاحبها عليها وُرَيْقَة تصنّفها على أنها كرة يلعب بها أطفال الأسرة الذين سيهلّون على الدنيا يوما ويَعِنّ لهم بعد أن يكبروا قليلا أن يجروا ويتقافزوا ويصرّفوا طاقاتهم المحبوسة، حتى إذا حل الميعاد انفجرت القنبلة فقتلت من قتلت، وبترت أطراف من بترت، وشوهت وجه من شوهت. إن فى مصر الآن من يسعى لجزر رقبة الفصحى، بل لجزر رقبة العروبة ذاتها وما يرتبط بالعروبة من أدب ودين وتشريع وتاريخ وأبطال وقيم. وهل هناك ما هو أحرى بإثارة الشك فى الفصحى والركون إلى العامية من أن يقال: إنه لم يكن هناك يوما إعراب، بل الأمر كله لا يعدو أن يكون تسرعا من قبل علمائنا وسوء فهم من جانبهم ظنوا به تحريك أواخر الكلمات تخلصا من التقاء الساكنين وما أشبه: إعرابا يشير إلى وظيفة الكلمة فى الجملة؟

إن د. إبراهيم أنيس يزعم أن العرب كانوا ينهون كل كلمات لغتهم بالسكون، لكنهم حين يصلون الكلام كانوا يحركون أواخر تلك الكلمات بهذه الحركة أو تلك، إلا أن هذه ليست حركات الإعراب، بل مجرد حركات صوتية تناسب الحرف الذى تتلوه من الكلمة السابقة أو تسبقه من الكلمة التالية. ترى كيف عرف هذا؟ الحق أنه لا توجدأدنى إشارة إلى أن العرب كانوا يسكنون أواخر كل الكلمات، فمن أين أتى سيادته بهذا الافتراض؟ أوكلما ثار فى خيالاتنا وأوهامنا خيال من الخيالات أو وهم من الأوهام نندفع إلى ترديده وكأنه حقيقة قاطعة لا ريب فيها؟ أوهذا هو العلم ومقتضيات المنهج العلمى؟ أيكفى أن يقول الواحد منا: "يبدو" أو"يظهر" أو "يخيَّل إلىّ" وما أشبه، ثم ينطلق فيسرد سخافاته سردا دون أدنى ذرة من تردد أو تفكر؟ يقول د. إبراهيم أنيس: "يظهر، والله أعلم، أن تحريك أواخر الكلمات كان صفة من صفات الوصل فى الكلام شعرا أو نثرا، فإذا وقف المتكلم أو اختتم جملته لم يحتج إلى تلك الحركات، بل يقف على آخر كلمة من قوله بما يسمى: السكون. كما يظهر أن الأصل فى كل الكلمات أن تنتهى بهذا السكون وأن المتكلم لا يلجأ إلى تحريك الكلمات إلا لضرورة صوتية يتطلبها الوصل" (من أسرار اللغة/ 204).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير