تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والملاحظ أن قاسم أمين قام قبل بضعة عقود من ظهور كتاب إبراهيم أنيس بحملة على الإعراب متهما إياه بأنه مصدر كل ما يقع من لحن في قراءة العربية، ومتخذا من عدم وجود الإعراب في بعض اللغات الأوربية حجة يدعم بها رأيه. وحَسْبَ رأيه ينبغى علينا نحن أهل العربية "أن نبقى أواخر الكلمات ساكنة لا تتحرك بأي عامل من العوامل". وبهذه الطريقة، وهي طريقة جميع اللغات الإفرنجية والتركية كما قال، يمكن، فى رأيه، حذف قواعد النواصب والجوازم والحال والاشتغال دون أن تضار اللغة أى ضرر لأن مفرداتها سوف تبقى كما هى. يقول هذا وكأن اللغة مجرد مفردات فحسب (ذكر قاسم أمين هذا الرأى فى كتابه: "كلمات" المنشور ضمن الأعمال الكاملة لقاسم أمين/ تحقيق د. محمد عمارة/ ط2/ دار الشروق/ 1989م/ 143).

إذن فالدكتور أنيس، حين كتب ما كتب، لم يكن ابن بجدتها، بل قد تسلم الراية من أمثال قاسم أمين وطوَّر ما قاله هو ومن يلفون لفّه كسلامة موسى، الذى هاجم فى كتابه الركيك الفكر الفاسد الذوق الذى يسمى: "اللغة العربية والبلاغة العصرية" لغة القرآن الكريم بكل وقاحة زاعما بالإفك والبهتان أولا أنها متخلفة، وثانيا أن الإعراب هو أهم أسرار تخلفها وتخلفنا نحن أيضا (انظر كتابه المذكور/ سلامة موسى للنشر والتوزيع/ 1964م/ 9، 11، 77 وما بعدها، 84، 93، 130 وما يليها، وبالذات 124 ... ). يقول هذا وكأنها متخلفة فعلا، فى الوقت الذى كان يؤلف مقالاته وكتبه بها، وينظر إلى ما كتبه على أنه انعكاس لأرقى ما وصل إليه الفكر البشرى فى اللغات الأوربية التى كان يترجم منها ويلخص ما تشتمل عليه بغض النظر عن مدى دقته وصدقه وموضوعيته فى هذا التلخيص والعرض أو عدمه، مما يدل على أن كل ما قاله فى هذا الصدد هو كلام ماسخ سمج. نعم، إن ما كتبه أنيس لهو امتداد لما كتبه سلامة موسى وقاسم أمين وأمثالهما، وإن حاول أن تأخذ المسألة لديه مظهرا علميا رغم أن كل كلمة بل كل حرف فيما كتبه إنما يدابر العلم والمنطق والعقل مدابرة لا تفاهم فيها بتاتا.

ويورد د. أنيس نصا من قطرب النحوى العربى المعروف عن أصل الإعراب فى لغة العرب يقول فيه: "إنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم في حال الوقف يلزمه السكون، فجعلوه في الوصل محرَّكا حتى لا يبطئوا في الإدراج، وعاقبوا بين الحركة والسكون وجعلوا لكل واحد أليق الأحوال به، ولم يلتزموا حركة واحدة لأنهم أرادوا الاتساع، فلم يضيقوا على أنفسهم وعلى المتكلم بحظر الحركات إلا حركة واحدة". هذا هو النص الذى نقله إبراهيم أنيس عن كتاب "إحياء النحو" لإبراهيم مصطفى، الذى نقله بدوره عن كتاب السيوطى: "الأشباه والنظائر". إلا أن النص الوارد فى كتاب الزجاجى: "الإيضاح فى علل النحو" أطول من ذلك وأكثر تفصيلا. وقد أورد الزجاجى رأى قطرب فى سياق كلامه عن إجماع النحويين على أن وظيفة الإعراب توضيح وظائف الكلمات فى الجملة. يقول الزجاجى (الإيضاح فى علل النحو/ تحقيق د. مازن المبارك/ ط3/ دار النفائس/ 1399هـ- 1979م/ 79 - 81): "فإن قال قائل: فقد ذكرت أن الإعراب داخل فى الكلام، فما الذى دعا إليه واحتيج إله من أجله؟ الجواب ان يقال: إن الأسماء لما كانت تعتور المعانى فتكون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضافا إليها ولم تكن فى صورها وأبنيتها أدلة على المعانى، بل كانت مشتركة، جُعِلَت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعانى، فقالوا: ضرب زيد عمرا، فدلوا بتغيير أول الفعل ورفع زيد على أن الفعل ما لم يسم فاعله وأن المفعول قد ناب منابه. وقالوا: هذا غلام زيد، فدلوا بخفض زيد على إضافة الغلام إليه، وكذلك سائر المعانى جعلوا هذه الحركات دلائل عليها وكذلك سائر المعانى جعلوا هذه الحركات دلائل عليها ليتسعوا فى كلامهم، ويقدموا الفاعل إن أرادوا ذلك أو المفعول عند الحاجة إلى تقديمه، وتكون الحركات دالة على المعانى. هذا قول جميع النحويين إلا قطربا، فإنه عاب عليهم هذا الاعتلال وقال: لم يعرب الكلام للدلالة على المعانى والفرق بين بعضها وبعض لأنا نجد فى كلامهم أسماء متفقة فى الإعراب مختلفة المعانى، وأسماء مختلفة الإعراب متفقة فى المعانى: فمما اتفق إعرابه واتفق معناه قولك: إن زيدا أخولك، ولعل زيدا أخوك، وكأن زيدا أخوك. اتفق إعرابه واختلف معناه. ومما اختلف إعرابه واتفق معناه قولك: ما زيد قائما، وما زيد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير