تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القول الثاني: موضعه رَفْعٌ على أنه جواب القسم، كأنه قيل: "وإذ أقسمنا عليهم لا يعبدون". وأجاز هذا الوجه المبرد والكسائي والفراء والزَّجّاج، وهو أحد قولي الأخفش. القول الثالث قول قطرب: أنه يكون في موضع الحال فيكون موضعه نصبًا، كأنه قال: أخذنا ميثاقكم غير عابدين إلا الله".

وفى إعراب قوله تعالى: "فَرِحَ ?لْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ?للَّهِ" فى الآية 81 من سورة "التوبة" نقرأ فى نفس التفسير ما يأتى: "قوله: "خِلَـ?فَ رَسُولِ ?للَّهِ" فيه قولان: الأول، وهو قول قطرب والمؤرج والزجاج، يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا. قالوا: وهو منصوب لأنه مفعول له، والمعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفى إعراب قوله تعالى: "فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ" فى الآية 87 من سورة "الكهف" نقرأ فى تفسير الشوكانى هذا النص: "قال النحاس: اختلف في معنى "فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ" على قولين: الأوّل مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى: أتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه، كما تقول: أطعمه عن جوع. والقول الآخر قول قطرب إن المعنى على حذف المضاف، أي فسق عن ترك أمره".

وقطرب هذا الذى ينكر أن يكون لإعراب الكلمات أية دلالة معنوية هو نفسه الذى كان يرى مثلا أن "الواو" العاطفة تدل على الترتيب، بمعنى أن قولنا: "جاء زيد وعمرو" معناه أن زيدا جاء قبل عمرو لا أن كلا منهما جاء، والسلام، ولا يهم مَنْ جاء قبل مَنْ، أو أنهما جاءا معا (انظر السيوطى فى "همع الهوامع"). أى أن لها معنى، بغض النظر عن أنه قد خالف فى رأيه هذا ما يقوله غيره من النحويين من أنها تفيد مطلق الجمع. وبالمثل نرى قطربا (مثل الكوفيين) يجزم بـ"كيف" سواء اتصلت بها "ما" أو لم تتصل على ما يقول السيوطى فى هذا الكتاب. كذلك يروى قطرب، على ما أورده السيوطى فى كتابه السالف الذكر، أن ما بعد "بَلْهَ" (الذى ينصبه قوم على أنه مفعول لها على أساس أنها اسم فعل أمر) يُرْفَع لأن معناها: "كيف". ومنه قول الشاعر:

تَذَرُ الجماجمَ ضاحيًا هاماتُها * بَلْهَ الأَكُفُّ كأنّها لم تُخْلَقِ

ولهذا لم يكن الأمر مستغربا عندى حين قرأت أنه ألف كتابا فى النحو عنوانه "الجماهير". ولو لم يكن يرى فى الإعراب ما يراه النحاة فلماذا صنف مثل ذلك الكتاب؟ ويحكى أبو المحاسن التنوخى فى ترجمته لقطرب فى "تاريخ العلماء النحويين" ظروف تصنيفه قائلا: "كان سبب تصنيف هذا الكتاب أن الرشيد قال له يوما: كيف تُصَغِّرُ الدُنيا؟ فقال: هي مصغرة يا أمير المؤمنين. فقال له: اعمل كتابا لعبد الله ومحمد، فإنهما من أحوج الورى إليه. فعمله، وليس بالطائل". وله أيضا كتاب فى "إعراب القرآن" طبقا لما جاء خلال ترجمتة السيوطى له فى "بغية الوعاة"، وهو أمر له دلالته فيما نحن بسبيله.

والآن هل الكلام الذى حَبَّرَه د. إبراهيم أنيس يمكن أن يصمد للنظر؟ تعالوا نر. أولا: إذا كان ما يقوله الدكتور صحيحا فلماذا ظلت طائفة من الكلمات مسكنة الأواخر، مثل "هَلْ، بَلْ، قدْ، قَطْ، عَنْ، مِنْ، مَنْ، كَمْ، كَىْ، لَدُنْ، أَوْ، َلَوْ، مُذْ، صَهْ، مَهْ، وَىْ، نَعَمْ، أَجَلْ، لَمْ، إِنْ، لنْ، أَنْ، لكنْ"، وكذلك الأفعال المضارعة المجزومة وأفعال الأمر كلها تقريبا .... وثانيا: لماذا جرى العرب على تحريك نهايات كل الكلمات الساكنة الأواخر كلما وصلوها بما بعدها سواء كان أول ما بعدها ساكنا أو متحركا؟ ثم على أى أساس كانوا ينوّعون حركة أواخر الكلمات؟ يقول د. أنيس إن بعض الحروف يناسبها حركة معينة تختلف عن الحركة التى تناسب بعض الحروف الأخرى. لكن الواقع أن هذا ليس بالأمر المطرد، وإلا لتنبه إليه علماؤنا القدامى وعرفوا السر وراءه ولكانوا إذن قد استراحوا وأراحوا ولم يُقْدِموا بغشم واعتساف على ما أقدموا عليه من اختراع هذا الذى يسمونه: "إعرابا"، بكل ما يتعلق به من تفريعات وتقعيدات وتعقيدات ووجع دماغ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير