تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خذ مثلا حركة الهاء فى "عليه" لدن الوصل بساكن بعدها. إنها كسرة عند بعض القبائل، وضمة عند بعض القبائل الأخرى. والضم موجود مثلا فى قوله تعالى فى إحدى قراءات الآية العاشرة من سورة "الفتح": "عاهَدَ عليهُ اللهَ". كما أن الحرف الأخير من فعل الأمر المضعف الآخر فى حالة الإبقاء على إدغامه ودخول هاء الغائب عليه يحرَّك لدن بعض القبائل بالكسر، ولدن غيرها بالفتح، ولدن ثالثة بالضم. وكلهم بحمد الله عرب، فيقال: مُدَّهُ يا فلان، ومُدِّهِ، ومُدُّهُ. أى أن كل الحركات جائزة هنا. وفى تنوين العلَم الموصوفِ بابنٍ مضافٍ إلى علَم، نحو: محمدٌ بن عبد الله تحرك نون التنوين الساكنة: إما بالكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين، وهو الأكثر، وإما بالضم. ويجوز الضم والكسر فى واو الجماعة المفتوح ما قبلها، نحو: "اخْشَوُا الله" و"اخْشَوِا اللهَ".

كذلك كيف يفسر سيادته اختلاف نوع الحركة فى أواخر الكلمات أحيانا من الفصحى إلى العامية؟ فمثلا حين تلتقى فى الفصحى سكنة نون "مِنْ" بسكنة بعدها نفتح النون، مثل: "مِنَ الباب"، على حين أننا نكسر هذه النون فى العامية فنقول: "منِ الباب". ونحن فى الحالين عرب لم يتغير فينا شىء.

وثالثا: لو كان هذا الذى يقوله الدكتور صحيحا لَكُنّا لا نرى إعرابا إلا حيث يلتقى ساكنان. أليس الإعراب هو امتداد تحريك أواخر الكلمات، وأواخر الكلمات لم تكن تتحرك إلا حين تلتقى بساكنٍ فى أوائل الكلمات التالية لها؟ لكننا ننظر فنرى أن الإعراب، الذى هو عنده امتداد لتحريك أواخر الكلمات فى الوصل، موجود فى كل حال: سواء التقى ساكنان أو لم يكن هناك مثل ذلك الالتقاء. فما قوله فى هذا؟ ورابعا: لو كان ما يقوله صحيحا، فلماذا لم يجر الإعراب على القاعدة المتهالكة التى يدعيها، قاعدة مناسبة الحركات المعينة لحروف معينة؟ إن الإعراب لا يبالى بهذا الكلام المتهافت، بل يجرى على قواعد أخرى منضبطة لا علاقة بينها وبين الحرفين المتتاليين فى آخر الكلمة السابقة وأول الكلمة اللاحقة على ما هو معروف. وخامسا: ترى كيف يعلل الدكتور تفريق العرب بين ما يسمى بـ"المعرب" وما يسمى بـ"المبنىّ" إذ يأتون إلى آخر الألفاظ التى تنتمى للمبنىّ ويبقونها على وضع واحد، على حين ينوعون حركة آخر الكلمات المنتمية إلى المعرب؟ ألا إن هذه لضربة قاصمة لنظريته الضحلة التى لا أدرى أى شيطان أوحى بها وسوَّل الكتابة فيها والدعوة إليها والمنافحة عنها والعمل على تسويقها؟ وسادسا: لماذا كان هناك تنوين؟ وما وجه الحاجة إليه بناء على نظرية الدكتور؟ إن وجود التنوين ليمثل، فى ضوء نظرية الدكتور، مفارقة عجيبة. كيف؟ أليس يقول إن الكلمات العربية كانت كلها فى الأصل ساكنة الأواخر، ثم حُرِّكَتْ تلك الأواخر عند التقاء الساكنين؟ فلماذا لم يكتف العرب فى هذه الحالة بتحريك أواخر الكلمات دون تنوين وأصروا بدلا من ذلك على الإتيان بالتنوين الذى هو إضافة سكون بعد ذلك التحريك لنعود مرة ثانية إلى المربع رقم واحد ويكون علينا تحريك هذا الساكن عند التقاء الساكنين؟

وتاسعا: إذا كان الأمر على ما يقول إبراهيم أنيس فكيف يعلل خروج بعض الكلمات من أسماء وأفعال عن القاعدة المطردة فى الإعراب، إذ تُجَرّ الأسماء الممنوعة من التنوين بالفتح، ثم يعود الكسر إليها إذا أضيفت أو دخلت عليها "أل"، وإذ تنصب جموع الألف والتاء بالكسر، وإذ نرى طوائف من الأسماء تُنَوَّن، وأخرى لا تُنَوَّن ... إلخ؟ ولماذا لم يدخل السكون فى إعراب الأسماء ولا الجر فى إعراب الأفعال إذا كان الأصل هو مجرد التحريك للتخلص من التقاء الساكنين؟

وعاشرا: كيف أعربت الأسماء الستة والمثنى وجمع المذكر السالم والأفعال المضارعة بالحروف؟ إن تفسيره لهذا الأمر يتلخص فى أن النحاة وجدوا بين أيديهم الصيغ الثلاثة فى الأسماء الستة: "أبوك، وأباك، وأبيك" فخصوا كل صيغة بإعراب، وقل مثل ذلك فى الحالتين الأخريين. ولكن كيف وجدت الصيغ الثلاث فى الأسماء الستة مثلا، وهو يقول إن العرب كانوا يقفون بالسكون على أواخر الكلمات؟ ترى لماذا لم يقفوا بالسكون هنا فيقولوا: "أبْ، أخْ، فَمْ ... " جريا على سنتهم التى نص عليها هو لا غيره فيريحوا ويستريحوا؟ يقول إنه كان لكل قبيلة صيغة خاصة بها، فجمع النحاة هذه الصيغ الثلاث وجعلوا كلا منها إعرابا خاصا (انظر "من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير