تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أسرار اللغة" / 250 فصاعدا). والسؤال هو: لماذا لم يتبع العرب رغم ذلك منهجهم فى الوقوف بالسكون على آخر تلك الأسماء؟ وكيف يا ترى تصادف أن كانت كل قبيلة تقف عليها بالمد: واوا أو ألفا أو ياء؟ وقل مثل ذلك فى الجمع السالم وفى الأفعال الخمسة. مرة أخرى يتبين القارئ بنفسه مدى الضعف والتهاوى فيما يقوله الأستاذ الدكتور، الذى يتحدث عن ناس مضوا منذ دهر طويل فيصف كل شىء كأنه يقع تحت بصره وسمعه الآن. وليس هذا من العلم بسبيل!

وحادىَ عشر: كيف توصل علماؤنا القدامى من أهل النحو إلى هذا النظام الإعرابى طبقا لما يزعمه الدكتور؟ وما الذى دفعهم إلى التفكير فى هذا النظام الذى لم يكونوا هو ولا أسلافهم يعرفونه ولا كان يعرفه أحد من أهل الأرض كما يقول هو ذاته؟ ثم أنى لهم تفريعه وتشقيقه وتبويبه وتقعيده، وهو بهذا التشابك والتداخل؟ وما الذى أكرههم على الدخول فى هذه المضايق، ولديهم لغة سهلة لا تعرف هذه الصعوبات ولا شكا أحد من عجزها عن الإبانة عن أى فكرة أو شعور؟ أهو جحود بالنعمة وبطر وأشر، والسلام؟ أهو عبث من عبث الأطفال لا يقدر أصحابه المسؤولية ولا يبالون بالعواقب ولا يفكرون إلا فى اللحظة الراهنة ولا ينظرون إلا تحت أرجلهم؟

وثانىَ عشر: كيف يا ترى تم فرض النحو الجديد فى ذلك الوقت على العرب، وكذلك على المسلمين الذين اتخذوا لغة العرب لغة لهم بطول العالم الإسلامى وعرضه فى وقت لم تكن فيه مدارس ولا صحف ولا إذاعة ولا ... ولا ... ؟ ومن هم المعلمون الذين قاموا بهذا الدور؟ وكيف أدوا عملهم؟ وما العقبات التى قابلتهم؟ وما الطرائف التى وقعت لهم أو منهم أو من الجماهير؟ ثم إذا كان هذا أمرا يخص العرب، فكيف دخل النحاة وعلماء اللغة الأعاجم فى اللعبة وانخرطوا فيها دون أن يثيروا أية مشاكل؟ نعم كيف وافق علماء النحو ذوو الأصول الأعجمية على هذا الإزعاج، وهم الذين تعلموا العربية تعلما حتى ليمكنك أن تقول إنهم، بمعنى من المعانى، قد تعمَّلوها تعمُّلاً؟ إننا مثلا نقرأ فى أخبار سيبويه الأعجمى أشهر علماء النحو العربى أن حماد بن سلمة المحدث المشهور الذى كان نحويّنا يتتلمذ على يديه قد لفته إلى أنه يلحن فى نطقه لبعض الأحاديث النبوية فصمم على التزود أكبر زاد بشؤون اللغة والنحو ولزم حلقات النحويين واللغويين وأخذ كل ما عندهم فى هذا الميدان كما يقول د. شوقى ضيف فى كتابه: "المدارس النحوية" (ط3/ دار المعارف/ 1967م/ 57). لقد كان رد الفعل الطبيعى والمنطقى أن يتململ سبيويه من هذه الملاحظة وأن يقول مثلا إن السبب فى لحنه هو ذلك الإعراب الذى ابتدعه العلماء بعد أن لم يكن ثَمَّ إعرابٌ تعرفه العرب، فجاء العلماء وعقّدوا كل شىء!

ولم يكن سيبويه هو النحوى الأعجمى الوحيد بين علماء النحو العربى، بل كان هناك فى تلك الفترة المبكرة التى يشير إليها د. أنيس ابن أبى إسحاق الحضرمى مولى آل الحضرمى، وعيسى بن عمر الثقفى مولى آل خالد بن الوليد، ويونس بن حبيب من موالى بنى ضبة، والأخفش الأوسط، وكان فارسى الأصل ... (انظر فى تراجم هؤلاء كتاب "المدارس النحوية" للدكتور شوقى ضيف/ 23، 25، 28، 94)، وبعضهم كان يعيب العرب ويسىء إليهم كابن أبى إسحاق وعيسى بن عمر مثلا كما ذكر أبو طاهر المقرئ فى كتابه: "أخبار النحويين". ثم كيف يا ترى تقبلت جماهير الناس تلك العطية المرهقة المزعجة من علماء النحو دون تذمر أو مقاومة؟ أم تراهم قد رفضوا ذلك وحرنوا؟ لكن إذا كانوا قد رفضوا وحرنوا، فكيف استطاع أولئك العلماء أن يجبروهم على تجرع تلك الغصة؟ وما الذى كان فى أيديهم من وسائل التأديب والتخويف والعقاب فأرهبوهم وأرعبوهم به؟ أم تراهم سحروهم وغَشَّوْا على أبصارهم وأسماعهم حتى أدخلوه فى أذهانهم إدخالا على غفلة منهم ثم تركوهم حتى اكتشفوا ما حصل بعد أن كان الوقت قد فات، ولم يعد من سبيل إلى استدراك ما حصل؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير