تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 - تتعامل الثقافة الغربية مع نصوصها المقدسة باستهانة فتجعلها نصوصا أدبية كأي نص من إنتاج البشر، وهذا وإن كان ديدنهم من قديم الزمان إلا أنه ليس من دأب أمة الإسلام في كافة الفرق السابقة حتى الضالة منها، إلا أن ناشئة منهم أبو زيد عاملوا النص بهذا المستوى كما جاء في كتابه المذكور ص10، حيث يقول:"إن البحث عن مفهوم النص ليس في حقيقته إلا بحثا عن ماهية القرآن وطبيعته بوصفه نصا لغويا، وهو بحث يتناول القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وأثره الأبي الخالد، فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس، سواء نظر إليه الناظر على أنه كذلك في الدين أم لا، وهذا الدرس الأدبي للقرآن في ذلك المستوى الفني دون نظر إلى اعتبار ديني هو ما نعتده وتعتده معنا الأمم العربية أصلا، العربية اختلاطا، مقصدا أول وغرضا أبعد، يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد، ثم لكل ذي غرض أو صاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس الأدبي أن يعمد إلى ذلك الكتاب فيأخذ منه ما يشاء ويقتبس منه ما يريد"، وهو ينقل بعض كلامه هذا عن أمين الخولي، دائرة المعارف الإسلامية مادة تفسير.

2 - يستهين أبو زيد بمسألة الحدود الشرعية، ويرى أنها لا تتطابق مع الواقع المعاصر، وهو ما يشير إلى مذهبه في مسألة عدم صلاحية قواعد الإسلام وفق فهم النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح لكل زمان ومكان كما سيأتي في الملحظ الثالث، حيث يقول في نفس الكتاب ص14:"إن المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية واعتبارها مطلبا أوليا في الفكر الديني المعاصر مع التسليم بصحة منطلقاتها النظرية وَثْبٌ على الواقع وتجاهل له، خاصة إذا تم اختزاله في مسألة تطبيق أحكام الحدود كما هو الأمر عند كثير من الجماعات التي تطلق على نفسها اسم الإسلامية"، وله نصوص غير هذا اطلعت عليها يصرح فيها بأن الحدود لا تليق بعصرنا وواقعنا، لا تحضرني الآن، وأن علينا أن نعيد فهم الشريعة وفق ما يتناسب مع واقعنا لا وفق واقع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويسترشد في ذلك بواقع تطور التشريع بين مكي ومدني، ويشير إلى استمرارية التطور بتغير المجتمعات.

3 - أن أهل السنة حينما اعتبروا السلف الصالح ابتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم مصدرا لتفسير النص القرآني فارقوا الصواب في جانب التأويل الصحيح للقرآن الكريم لأنهم ربطوه بذلك الزمن، حيث يقول ص 220:"إن معيار التفسير الصحيح عند من يطلقون على أنفسهم أهل السنة سواء في التراث أم في الفكر الديني الرسمي المعاصر هو ما ورد عن الرسول أو عن الصحابة الذين شهدوا نزول الوحي وكانوا أقرب من ثم إلى فهم دلالته، فالتفسير عندهم لا بد أن يستند إلى النقل لأن الاستدلال يؤدي دائما إلى الخطإ في زعمهم"، ثم يقول ص222:"والتمسك بهذا التفسير بوصفه التفسير الوحيد الصحيح استنادا إلى سلطة القدماء يؤدي إلى ربط دلالة النص بالأفق العقلي والإطار الثقافي لعصر الجيل الأول من المسلمين، وهذا الربط يتعارض تعارضا جذريا مع المفهوم المستقر في الثقافة من أن دلالة النص تتجاوز حدود الزمان والمكان"، ثم يقول ص223: "إن الخطأ الجوهري في موقف أهل السنة قديما وحديثا هو النظر إلى حركة التاريخ وتطور الزمن بوصفها حركة نحو الأسوإ على جميع المستويات، ولذلك يحاولون ربط معنى النص ودلالته بالعصر الذهبي عصر النبوة والرسالة ونزول الوحي، متناسين أنهم في ذلك يؤكدون زمانية الوحي لا من حيث تكون النص وتشكله بل من حيث دلالته ومغزاه كذلك"، والتعليق على هذا الكلام طويل لكن يمكن الوقوف على نقطة تكون النص وتشكله، فإن النص القرآني بالذات قد تشكل وانتهى الأمر فيه بانقطاع الوحي، من حيث التكون والتشكل مع أن إطلاق مثل هذه الألفاظ على القرآن يقف بنا على مستوى عال من الخطورة، لأنه لم يتشكل ولم يتكون في حدود ما تدركه عقولنا، ولا يجوز لنا إطلاق الأوصاف عليه على هذا المستوى وكأنه قصيدة أو قصة أو كتابة أدبية تتشكل وتتكون بنظر وسمع البشر وإدراكهم ومساهمتهم في تشكلها وتكونها، مع أنه قد صرح في بداية الكتاب هذا بأن القرآن لأنه نص لغوي فإنه يتكون من مكونات الثقافة التي نزل في لغتها وهو بهذا يومئ إلى ما ذهب إليه بعض المستشرقين من أن القرآن نتيجة ثقافية للمجتمع العربي، وتابعهم على ذلك بعض أبناء الإسلام كطه حسين وغيره، ولن أقف على بقية الملاحظ التي تظهر جلية في النص.

وهذا الكتاب فيه مواطن كثيرة زل فيها المؤلف زلات كبيرة، لا مجال في هذا المقام لتتبعها، والمؤلف يعتبره خطوة ثالثة في خطوات التأويل الصحيح للقرآن الكريم، إذ يرى أن القرآن حظي فقط بثلاث خطوات أولاها للمعتزلة والثانية للصوفية والثالثة هذا الكتاب، متجاهلا بداية تأويله عمليا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام وكل الجهود بعدهم، حيث قال ص5:"ومن المنظور الأكاديمي بالمعنى السالف تعد هذه الدراسة خطوة ثالثة على طريق دراسة تراثنا الفكري من منظور علاقة المفسر بالنص وجدله معه، وكانت الخطوتان السابقتان دراسة تأويل النص القرآني سواء كان هذا التأويل يتم على أسس عقلية كما هو الأمر عند المعتزلة، أم كان يتم على أسس ذوقية حدسية كما هو الأمر عند المتصوفة، ولقد كان التركيز في الدراستين السابقتين ينصب على الآفاق الفكرية والمعرفية التي تبدأ منها عمليات التفسير والتأويل، ولذلك كان من الضروري أن يكون التركيز في هذه الدراسة على جانب النص".

أرجو أن يكون في هذه الومضات ما يسد الرمق إلى أن نقف عليه وقفة متأنية إن شاء الله لاحقا، وأرجو من الله أن يكون أبو زيد قد راجع نفسه وتاب عن زلاته أثناء مرضه أو ما قبلها، فإننا نحب الخير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما كان لذلك الحب والخير سبيل، ونسأل الله الهداية إلى الحق والثبات عليه حتى نلقاه وهو راض عنا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير