هذا جانب، وجانب آخر مهم، وهو أن بعض الأخوة يتعجل الدفاع عن أشخاص لم يقرأ لهم قط كما يذكر، وهنا ينبغي أن يتأنى المرء والأمور العلمية والشرعية ليست بالعاطفة، وإنما مردها العلم.
وقد أحببت أن أشارك في هذه المدارسة بوقفات متنوعة علمية ودعوية وتربوية أقتصر فيها على كتاب مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، وهي كالتالي:
الوقفة الأولى: أمضى الدكتور في كتابة هذا الكتاب وجمع مادته خمس سنوات! كما في ص 6، وشغلته شواغل ومع ذلك كان يعاود الكتابه، وأنا أتعجب من جلد هؤلاء على ما عندهم وعجز الثقة!
الوقفة الثانية: مع ما في هذا الكتاب من مآخذ إلا أن الدكتور نصر فيما لحقه كان أكثر جرأة، وما نقد الأزهر له لكتابه/ الامام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية إلا مثال على ما كتبه بعد هذا الكتاب.
الوقفة الثالثة: مجمل الكتاب يهدف إلى إثبات تاريخية النص (وهو يعني بالنص القرآن)، وهذا أمر أكبر من أن يدلل عليه بنقل، فهو ظاهر في بحثه عن أسباب النزول، والنسخ، والمناسبات، والإعجاز، وغيرها من مباحث الكتاب.
الوقفة الرابعة: هناك وجه شبه في مباحث الوحي وارتباطه بظاهرة الكهانة، وكلامه عما يتصل بنقص القرآن مع ما قرره الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه مدخل إلى التعريف بالقرآن!!
كما أن كتاب الامام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية للدكتور نصر، وتركيزه على الشافعي يمكن أن يكون مفهوماً إذا ربطناه بكلام الدكتور الجابري في كتابيه تكوين العقل وبنية العقل.
الوقفة الخامسة: الانطلاق في الكتابة عن القرآن من أن القرآن نص هو ما سلكه الدكتور نصر في كتابه مفهوم النص، ولكنه في آخر كتاباته غير من منهجه في التعامل مع القرآن من كونه نصاً إلى مفهوم آخر هو (مفهوم الخطاب)، وهو يقول: " أنا الآن أكثر اقتناعا بأن التعامل مع القرآن من منظور أنه نص أفضى إلى مجموعة من النتائج السلبية في تاريخ التفسير قديما وحديثاً لا أستثني نفسي من هذا لأنني جزء من الخطاب الثقافي! " منقول من محاضرة له بعنوان إعادة تعريف القرآن.
ولعل أهم ما يفرق بينهما في ظني أن رأيه الأول كان نابعا من أن هذا النص يحاجة إلى أمر خارجي - وهو وصفه بالتاريخية عند الدكتور نصر - للتخلص من أحكامه، أما مع مفهوم الخطاب فلا حاجة إلى ذلك بل النص يهدم نفسه!.
الوقفة السادسة: نصوص منقولة من كتاب مفهوم النص، ومنها ما سبق أن أشار إليه الدكتور الفاضل أحمد صالح، وقد عنونت لها بما يبرز أهم ما فيها:
الأساس الثقافي لظاهرة الوحي هو معرفة العرب بظاهرتي الكهانة والشعر!
"لقد كان ارتباط ظاهرتى "الشعر والكهانة" بالجن فى العقل العربى، وما ارتبط بهما من اعتقادى العربى بامكانية الاتصال بين البشر والجن هو الأساس الثقافى لظاهرة الوحى الدينى ذاتها. ولو تصورنا خلو الثقافة العربية قبل الاسلام من هذه التصورات لكان استيعاب ظاهرة الوحى أمرا مستحيلا من الوجهة الثقافية، فكيف كان يمكن للعربى أن يتقبل فكرة نزول ملك من السماء على بشر مثلة ما لم يكن لهذا التصور جذور فى تكوينه العقلى والفكرى. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحى – القرآن – لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع أو تمثل وثبا عليه وتجاوزا لقوانينة، بل كانت جزءا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها وتصوراتها. ص (34)
إن العلاقة النبوة والكهانة – فى التصور العربى – أن كليهما "روحى"، اتصال بين إنسان وبين كائن آخر ينتمى إلى مرتبة وجودية أخرى، ملك فى حالة النبى، وشيطان فى حالة الكاهن. وفى هذا الاتصال/ الوحى ثمة رسالة عبر شفرة خاصة لا يتاح لطرف ثالث أن يفهمها على الأقل لحظة الاتصال، وذلك لأن النبى "يبلغ" للناس بعد ذلك الرسالة، والكاهن "ينبئ" عن محتوى مل تلقاه. وفى هذا كله تصبح ظاهرة "الوحى" ظاهرة غير طارئة على الثقافة ولا مفروضة عليها من خارج كما سبقت الاشارة ويكاد ابن خلدون يصر على أن النبوة لم تلغ الكهانة ولم تقض عليها كما يتوهم بعض الناس: ص (38/ 39).
النبي صلى الله عليه وسلم بعد تجربة الاتصال الأولى كان يتشوف إلى ما يطمئنه على صحة قواه العقلية:
¥