يعجبني تقبل البعض الكلام بصدر رحب، أو حتى ضيق، لكنه على الأقل يسمح لك بقول رأيك، ولا يصادره
ولن يكون لي موقف مع أو ضد هكذا دون دليل؛ وكلما تحدثنا عن المنهج العلمي والأكاديمي في قضية برز لنا العلم العظيم (علم الأصول) الذي منه " من عرف حجة على من لم يعرف، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ "
وإضافة إلى المنهجية العلمية الأكاديمية، ثمة وازع ديني ندعيه نحن الذين ندعي أننا متدينون
وكل من قرأ وفهم قوله تعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء36
يدرك أنه لا يجوز له الكلام سلبا أو إيجابا إلا بعلم أولا وبدليل ثانيا
غير أن ثمة مسألة خبرتها خلال إقامتي في مصر، فأزعم أني فهمت قليلا طريقة تفكير كتابها، وهي:
أنه بسبب وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني - زمنا طويلا - فقد تم رميها في غياهب الفكر الغربي زمنا طويلا. وكان أستاذي العلامة الدكتور إبراهيم السامرائي - رحمه الله - كثير القول: إن الإنجليز باردون، وجهلة .. ولو أن مصر وقعت تحت الاحتلال الفرنسي، لكانت الوضع أفضل، والنهضة أسرع. ومن عرف كيف كانت مصر قبل الثورة؛ فإنه يحمد الله على الحال الذي وصلت إليه. وإن كنت ترى النساء بالبنطلونات الضيقة، وهذا حال جميع الدول العربية - باستثناء اليمن والسعودية، وليس كل اليمن وليس كل السعودية. فأي مسلم يقرأ قول حسن البنا في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية) الذي فحواه: أنه كان يأتي إلى الشباب في الخمارات فيقول لهم: تعالو نزور السيد البدوي، أي مسلم على المنهج الصحيح ينكر عليه هذا القول، لكن إذا وضعته في نصابه الصحيح عرفت قصده، فهو يتصور - وهذا رأيه هو - أن الشاب إذا تصوف، فهو خير له من ارتياد بيوت الدعارة ومعاقرة الخمور، وفي هذا بعض المنطق. لقد عاشت مصر قبل الثورة زمنا كان فيه إنكار وجود الله ينشر على الجرائد، والطعن في القرآن وزعم بشريته، والدعوة للعامية في الكتابة الصحفية والعلمية، وتفسخا خلقيا مرعبا بحيث لو رؤيت امرأة محجبة لرجمت بالحجارة، أما اليوم فالخير عظيم قياسا بتلك الأيام، ومن دخل جامعة القاهرة - مثلا - فإن أول ما يلاحظه: أن عدد المنقبات - فضلا عن المحجبات - هو الغالب.
فإذا ظهر كاتب في تلك الفترة، يدعو للإسلام أي إسلام كان، لاعتبر شيخ الإسلام في زمانه؛ نظرا لغيبة التدين، أما اليوم فمن قال كلمة، وجد منتقديها بالعشرات إن لم يكن بالمئات. وأوضح مثال الشيخان القرضاوي والشعراوي. لأنك تقيسهما بالألباني وابن باز
ولم يكن العراق قبل عام 1990، أحسن حالا، فعل امتدادا شارع الرشيد وحده كنت تستطيع أن تعد كباريهات تفوق شاعر الهرم، وقد شاهدت بعيني وسمعت بأذني برنامج فتاوى، وكان السؤال: زوجي يشرب كل يوم قارورتي عرق - والعرق هو خمر العراق محلي يعني - فكان الجواب: هذا سرف وتبذير، ربع قارورة يكفي.
وكنت إذا دخلت مسجدا جامعا ضخما، وجدت فيه أربعة: يمنيا - وسودانيا - وخليجيا - وعراقيا واحدا .. وقد يكون الإمام غير عراقي. أما اليوم، فما لم تنطلق قبل ثلاث ساعات من أذان الجمعة في جامع عمرو بن العاص، فلن تجد لك مكانا إلا في الشارع، هناك حيث خطيب الشيخ العلامة الأستاذ الدكتور/ عبدالصبور شاهين مد الله في عمره.
لقد دخلت الجامعة الأرردنية فوجدت إعلانا: محاضرة للشيخة الدكتورة .. فقعدت استمع، وكان كلامها دررا، فلما قامت إذا هي تلبس كاجوال، بنطلون جينز ضيق، وقميصا لا يغطي فخذيها، ولا أقول ركبتيها.
عموما في هذه البيئة - بيئة ما قبل الثورة - نشأ أساتذة نصر أبوزيد، وحسن حنفي وسيد القمني، وغيرهم .. ولذا فالعقاد كاتب إسلامي عظيم، لكن اقرأ كتاب أعلام وأقزام، سترى أنه حاكمه محاكمة شرعية فقط. فلا يجوز محاكمة أي إنسان محاكمة شرعية فقط ..
وإلا سقط من الشعراء نزار قباني؛ فكيرون لا يعرفون من نزار إلا جانبه المتخنث، ولا يعرف أنه مدرسة في الشعر السياسي، تخرج منها محمود درويش، وأحمد مطر، ومظفر النواب، وغيرهم .. لأنه لا يعرف عنه إلا شعر المرأة، ولا يعرف أنه صاحب شعر اختزل مأساة الأمة في أبيات: أوقفوني وأنا أضحك كالمجنون وحدي من خطاب كان ألقاه أمير المؤمنين
كلفتني ضحكتي عشر سنين
¥