تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التعاون معهم رغم سجنه وتعذيبه يكشف إلى أى حد بلغ رفض الفقهاء لعصبية ذلك النظام ولممارساته القمعية ضد جماهير المسلمين إلا أن يكونوا من مؤيديه وأنصاره بشكل مباشر. سعى الشافعى، على عكس سلفه أبى حنيفة واستاذه مالك إلى العمل مع الحكام، فانتهز فرصة قدوم والى اليمن إلى الحجاز وجعل بعض القرشيين يتوسطون له عنده ليلحقه بعمل، فأخذه الوالى معه وولاه عملا بنجران. وإذا كان موقف مالك وأبى حنيفة من النظام العباسى لم يختلف كثيرا عن موقفهم من الأمويين فإن الشافعى تعاون معهم، وإن كره منهم تخليهم عن "العروبة"، التى كانت سمة بارزة للنظام الأموى، واستنادهم إلى الفارسية، الأمر الذى يبرز لنا النزوع العصبى عند الإمام ويفسر لنا الدفاع السابق عن نقاء النص، ونقاء اللسان من ثم، من آفة الدخيل الوافد من الألفاظ. ومما له دلالة فى هذا الصدد أن رحيل الشافعى إلى مصر تلا استيلاء المأمون على السلطة بعد صراعه الدامى مع أخيه الأمين، وهو الصراع الذى وجدت فيه الشعوبية الثقافية والفكرية تعبيرها العسكرى. تولى المأمون السلطة سنة 198هـ، ورحل الشافعى إلى مصر سنة 199هـ، وكان اختيار مصر بالذات لأن واليها فى ذلك الوقت كان قرشيا هاشميا".

وهنا نلاحظ ما يقوله نصر أبو زيد من أن "أهم صور التعبير عن انحياز الشافعى للقرشية أنه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع السلطة السياسية مختارا راضيا، خاصة بعد وفاة أستاذه الإمام مالك بن أنس"، مستبدلا "السلطة السياسية" بـ"الأمويين". ومعنى هذا أن زعمه أنه فى كل مرة يستعمل فيها كلمة "الأمويين" إنما كان يقصد "العلويين" هو زعم كاذب، وإلا فلماذا لم يقل إنه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع العلويين؟ لقد قال بدلا من ذلك إنه الوحيد الذى تعاون مع السلطة السياسية، ومعروف أن العلويين فى ذلك الوقت لم يكن لهم سلطة سياسية بتاتا. فما معنى ذلك سوى أن الرجل يقول أى كلام، والسلام؟ كما نراه يضع العباسيين فى بعض مواضع النص إزاء الأمويين لا إزاء العلويين طبقا لما كان ينبغى أن يفعل حسب كلامه. وفوق هذا فما زال نصر أبو زيد يقول إن لمالك بن أنس من الأمويين موقفا مشهودا بسبب فتواه بفساد بيعة المكره وطلاقه، علاوة على تأكيده أن الإمام أبى حنيفة كان رافضا لأدنى صور التعاون معهم رغم سجنه وتعذيبه. وهذا وذاك غير صحيحين، إذ إن هذين الأمرين قد تما فى عصر العباسيين لا الأمويين، وهو ما لا يجهله أحد ممن له أدنى صلة بالتاريخ الإسلامى. فأما فتوى مالك فمتعلقة بخروج محمد بن عبد الله المعروف بـ"النفس الزكية" على أبي جعفر المنصور، وأما سجن أبى حنيفة وتعذيبه فلأنه رفض تولى منصب القضاء لذلك الخليفة. والسبب فى وقوع كل هذه الأخطاء من نصر أبو زيد ابتداء وبعد التصحيح هو أن الأمر مضطرب لديه أشد الاضطراب، ومن ثم لم يتمكن من إحكام التصحيح الذى اقترحه هو لا سواه، فعدل كلمة أو كلمتين، ولم يستطع أن يبصر الاضطراب فى فكرته كلها فترك كثيرا من الآثار التى تدل على هذا الاضطراب. ثم إن ربط أبو زيد بين ذلك وبين أموية الشافعى المزعومة، إذ كان الأمويون ينزعون منزعا عروبيا على عكس العباسيين، الذين اعتمدوا فى نجاح ثورتهم ضد الأمويين على الفرس، إنما يدل على أن أبوزيد يقصد فعلا الأمويين، ولم يكن الأمر سهوا منه أو غلطة مطبعية من الناسخ كما زعم، وبخاصة أن كلمتى "الأمويين" و"العلويين" متباعدتان لا يمكن أن يخلط الناسخ بينهما أبدا.

ولكى تكتمل الصورة سوف أنقل هنا ما قاله محمد جلال كشك رحمه الله عن هذا الموضوع فى المناظرة التى تمت بينه وبين الدكتور نصر أبو زيد فى إحدى الفضائيات الأمريكية والتى توفى بأزمة قلبية أثناءها. قال كشك موجها كلامه للمذيع، وأنا أنقل هذا الكلام عن موقع كشك نفسه الذى أنشأه باسمه المهندس محمد إلهامى: "الدكتور أبو زيد تقدم للترقية لدرجة أستاذ بكتابين وعدة أبحاث. من هذين الكتابين كتاب صغير عن الإمام الشافعي ودوره في إثبات الوسطية. وهذا الكتاب قائم على فكرة أن الإمام الشافعي متعصب للعروبة وللقرشيين، وقال: إن أهم ما يؤكد تعصب الشافعي للعروبة أنه تعاون مع الأمويين وألح حتى عينهالأمويون واليا على نجران. عُرِض الكتاب على لجنة الترقية: البعض وافق، والبعض اعترض علي ترقيته. عُرِض الأمر على مجلس الجامعة، وهناك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير