تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبعد أن أنعم الله علينا بالشبكة العالمية التي ستحدث أكبر ثورة ثقافية واجتماعية في التاريخ لأنها طوّرت التواصل بما لم يحلم به نبهاء الناس ونابغوهم قبل عشرين سنة! صحّ معه كلّ الصحة قول برتراند راسل إن سهولة النشر ليست نعمة بحد ذاتها لأن الزيف يمكن نشره بنفس القدر من السهولة التي تنشر بها الحقائق والفضائل فوجب أن يُشرف على عملية النشر ضمائر حية مخلصة للإنسان والحقيقة. ولما كان طموح رسل بعيد المنال فلا يمكن ضبط ما ينشره الناس ويريدون أن يلقوهُ علينا أصبح لدينا دليل واحد على ما نطمح إليه من حقائق مجلاة وفضائل مكشوفة ألا وهو (الأسماء والتواقيع)، فلكي تشتري عسلا غير مغشوش عليك أن تبحث عن (ثقة) وحين كان العلم رواية قيل (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) مما يمكن ترجمته اليوم إلى (إن هذا الفكر سلاح ذو حدين فانظروا لمن تقرءون وعمن تتلقون) فالمحارب للفكر والعقل والتنوير باسم الدين والدفاع عن السنة والعقيدة الصحيحة يُعميك والداعي إليها على غير بصيرة ورشد وتعمق يُضلك سواء السبيل. فلما برق أمام ناظري اسم الدكتور إبراهيم عوض متحدثا عن نصر أبو زيد فتحت المقال على (انتقائيتي ومزاجيتي) لا رغبة في القراءة عن أبي زيد رحمه الله ولكن فقط لأن المقال موقع بتوقيع إبراهيم عوض حفظه الله.

وما أردت أن أغمس اسمي فيه بين أعين الإخوة القراء في ملتقى متدين يجمع بين جنباته الكثير من المتدينين، ولا سيما مؤخرا حيث دبت إليه جيوش أهل القص واللصق حيث قد أُعطوا ضوءا أخضر من أهل الدار والقائمين على النديّ فصرنا لا نجد مثل هذا المقال إلا بين الفينة والفينة. وازدحام المنتدى بالقص واللصق له محاسنه لأن في القراء من يرى كل شيء جديدا إما لجدته على التصفح أو على متابعة الشؤون الفكرية الإسلامية والعلوم الشرعية لكنها (للانتقائيين المزاجيين) من أمثال كاتب هذه السطور مما يجعلني أغيب كثيرا عن المنتدى مستقريا استقراء ناقصا أن كثرة القص واللصق وتطفّل محاربي العقل باسم الدين والدفاع عن العلوم الصحيحة أمر يطم الحقيقة والفضيلة ويعميها. ما أردت أن ألفت الانتباه إليه أن هذا المقال فاضح للمتدينين المنغلقين المحاربين للعقل باسم الدفاع عن السنة والعقيدة الصحيحة ممن يكتبون ويصمّون آذاننا بحشف وسوء كيلة كما تفضح ناقصي البضاعة من "العقلانيين" و"التنويريين" الذين ليس لديهم توازن بين الكليات والجزئيات في تناول التراث الإسلامي الثر.

هؤلاء المتدينون من خريجي كليات الشريعة ومن موظفي الأوقاف يجعلون العلامة الجابري وأدونيس في نفس الخانة!!! لأنهم إنما يحاربون كل معقول، وحين يروا اسم فلسفة أو عقل أو تحليل يصابوا بالصداع والتماع العين واهتزاز الرقاب ليقيئوا دمامتهم على الناس ويسوّدوا صفحات الأوراق وجنبات الآفاق ببداوتهم وجهلهم غير المسبوق. وليس الجهل في حد ذاته بعيب ولكنه يصبح إسفافا وفسولة لا تطاق وهو يدّعي العلم ويلبس مسوحه.

هذا المقال النادر المثال في ما يكتب بالعربية على الشبكة اليوم يقسم الناس إلى صنفين جاهل وعالم، والجاهل إما متدين يريد أن يسود بجهله فيستخدم تمجيد الكليات (القرآن، السنة، العقيدة الصحيحة، الفرقة الناجية) لمحاربة العقل والتنوير والتحليل والفهم أو (الجاهل الثاني فهو) عقلاني حداثي يجهل مفاتيح التراث وهي العلوم اللغوية والشرعية ومصادرها الأصلية ويستخدم مصطلحات مترجمة لا يفهمها حتى هي في أسيقتها الواقعية ويريد أن "يبدع" في فهم التراث دون أن يأتي البيوت من أبوابها. ولا شك أن كلا من الفئتين على طبقات، طبقات من حيث حسن النية وسوءها وغموضها ووضوحها ومن حيث نسبية امتلاك الآليات وعدمه. وأما العلماء فهم نوعان أيضا نوع متعمق في جانب واحد إما التراث الإسلامي والعلوم الشرعية لكنه يدرك بعلمه جهله بالعلوم العقلية وبالفلسفة والتحليل وبجهود الغرب في كل من الفيلولوجيا وعلم تحليل النص فيحجبه علمه وأخلاقه عن انتقاص ما لا يفهم أو التشبع بما لم يُعطَ، والنوع الآخر من قرأ العقليات ودرس الفلسفة ومناهج النصوص لكن بضاعته في العلوم الشرعية والتراث الإسلامي قليلة لكنه لا يضع نفسه في موقع الند لأحد لأن الأطراف لديه غير واضحة المعالم، والنوع الثاني من العلماء هم من امتلكوا الآليتين وإلى هؤلاء نتطلع وعن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير