وبعد، فإن كنتم – أيها الإخوة – تريدون الحق، ولا أظنكم تريدونه بعدما قدمتم من طعن وتجريح واتهام- إن كنتم تريدون الحق فاسمعوا إلى ما نقول:
إن ما قلتموه عن كتاب ((الدر المصون)) هو نقل بدون تريث أو علم بأساس الموضوع؛ وذلك أن الدكتور الخراط الذى أساء وتعدى وتجاوز بما لا يحق له – كان قد نشر من تحقيق الكتاب من أوله إلى سورة الأنعام، وتم نشر هذا الجزء فى الوقت الذى كنا نقوم فيه بتحقيق الكتاب، وقمنا – بحمد الله وفضله – بتحقيق الكتاب ونشره كاملاً من أوله حتى آخر سورة الناس، فكيف - إذن – نكون قد اعتمدنا على تحقيق الدكتور الخراط؟! وإذا كنا قد اعتمدنا عليه فى الجزء الذى قام بتحقيقه ... فهل اعتمدنا عليه فيما لم يكن حققه بعد؟! أليس هذا ضربًا من الوهم والتخرص؟
نحن لا ننكر رجوعنا إلى الدكتور الخراط فى الجزء الذى حققه حتى سورة الأنعام، وهذا ليس عيبًا؛ فإنه مما يقتضيه المنهج العلمى الصحيح؛ إذ من الواجب على اللاحق أن يفيد من السابق، وأن يبنى عليه، وإلا لتوقفت حركة العلم عن التطور.
ومع رجوعنا إلى الدكتور الخراط فى الجزء الذى حققه، فإنه لا يمكنه الزعم أن تحقيقنا منقول عنه، أو حتى معتمد عليه؛ إذ يظهر الفارق الكبير بين تحقيقنا وتحقيقه لمن يطالع التحقيقين بعين الإنصاف، فضلاً عن أن الجزء الأكبر من الكتاب لم يكن حققه الدكتور الخراط، ولم نسبق إلى تحقيقه، وإن ادعى الدكتور الخراط أنه ما رجع إلى تحقيقنا فيما لم يكن حققه من الكتاب فقد جانبه الصواب.
وتوجُّهنا إلى تحقيق كتابٍ نُشِرَ منه جزء أو أجزاء لا يعيبنا فى شىء؛ وذلك لأمور، منها:
أولاً: من الناحية القانونية، ليس هناك حظر على تحقيق الكتب التراثية ونشرها؛ فقد قررت المحاكم فى أحكامها ذلك، إلا ما كان من حقٍّ فى هوامش التحقيق التى تتضمن تعليقات وحواشىَ يضيفها المحقق إلى الكتاب، وتحقيق الدكتور الخراط لكتاب ((الدر المصون)) يكاد يكون خاليًا من هذه الهوامش.
ثانيًا: ومن الناحية الشرعية: لو كان اعتماد اللاحق على السابق والإفادة منه والنقل عنه محرمًا، لما فعل سلفنا الصالح ذلك، وهم أسوتنا وقدوتنا؛ فكثير من كتب أهل العلم ينقل بعضها عن بعض، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك بنقل فصول كاملة دون عزو، ونضرب على ذلك مثالاً واحدًا:
ابن القيم ذلكم العالم الجليل، الذى اتفقت الأمة على إمامته، نقل فصولاً كاملة فى كتابه ((بدائع الفوائد)) عن كتاب ((نتائج الفكر)) للسهيلى، ودون عزو ... فهل يجيز لنا ذلك أن نطعن ونجرح فى ابن القيم؟ وهل فعلنا نحن ما فعل ابن القيم، فأخذنا نص كتاب ((الدر المصون)) ونسبناه إلى أنفسنا؟ وهل كتاب ((الدر المصون)) للسمين الحلبى أم للدكتور الخراط، حتى يكون مقصورًا تحقيقه ونشره على الدكتور الخراط وحده؟!
إن كتب التراث مباحة لكل أحد، وليست مقصورة على شخص دون شخص، وإن كل ما فعلناه فيما يخص تحقيقه أننا رجعنا إلى الدكتور الخراط وأفدنا منه فى الجزء الذى حققه، وليس هذا مما يعيب المحقق كما أشرنا.
ثالثًا: كتاب ((الدر المصون)) – فى حقيقته – ما هو إلا اختصار لكتاب ((البحر المحيط))، ومعنى هذا أن نصه لا يشكل عبئًا كبيرًا على المحقق الممارس فى ضبطه؛ ذلك لتيسر الرجوع إلى كتاب ((البحر المحيط)) الذى هو أصله، والاعتماد عليه فى الضبط والتدقيق.
يضاف إلى هذا أن ((الدر المصون)) يعد أحد الكتب التى اعتمد عليها ابن عادل فى تفسيره الكبير المسمى بـ ((اللباب فى علوم الكتاب)) وهو عشرون مجلداً بتحقيقنا ومشاركة الأستاذين:
الدكتور / محمد سعد رمضان حسن.
والدكتور / محمد متولى الدسوقى.
كلّ برسالته الجامعية فى الجزء الذى حققه من الكتاب. ونشر بهذا التحقيق لأول مرة.
ومعنى هذا أن نص ((الدر المصون)) ليس غريبًا علينا، ويتيسر لنا تحقيقه وضبطه فى سهولة ويسر.
رابعًا: قامت بعض الهيئات العلمية بتحقيق كتب شرعت هيئات أخرى فى تحقيقها، ونضرب لذلك مثالين:
1 - قام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بتحقيق الجزء الأول من ((تأويلات أهل السنة)) للماتريدى، ثم قامت بتحقيقه بعد ذلك وزارة الأوقاف العراقية، وذلك قبل حرب الخليج.
2 - قامت كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بتحقيق كتاب ((الذخيرة)) للقرافى ونشره، ثم قامت دار الغرب الإسلامى بطبعه ونشره بعد ذلك.
¥