تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووافق ابنَ القيم في عموم الآية، فقال: (ونفي الإكراه خبر في معنى النهي، والمراد نفي أسباب الإكراه في حُكم الإسلام، أي لا تكرهوا أحداً على اتباع الإسلام قسراً، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصاً.)

ثم قرر ما ذهب إليه من كون هذه الآية ناسخة لا منسوخة، وذكر أنه غير جائز أن تكون هذه الآية قد نزلت قبل الأمر بالقتال، بل الظاهر أنّ هذه الآية نزلت بعد فتح مكة واستخلاص بلاد العرب، فنسخت حكم القتال على قبول الكافرين الإسلام، ودلت على الاقتناع منهم بالدخول تحت سلطان الإسلام، وهو المعبّر عنه بالذمة، ويوضحُ هذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قاتل حتى تمكن الإسلام في جزيرة العرب، ودخل الناس في دين الله أفواجاً وزالت العوائق التي تحول بين الناس وبين اتباع الدين الحق. قال: (لَمَّا تم ذلك كله أبطل الله القتال على الدين، وأبقى القتال على توسيع سلطانه، ولذلك قال: ? قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ? (التوبة:29). وعلى هذا تكون الآية ناسخة لما تقدّم من آيات القتال.)

ثم قال: (هذا ما يظهر لنا في معنى الآية، والله أعلم.)

ثم ذكر أن لأهل العلم قبله قولين في معنى الآية، وذكر القولين الثاني والثالث التي ذكرهما ابن جرير. وأضاف إليها بعض الأقوال الأخرى. ([11])

وممن حرّر معنى الآية تحريراً جيداً الجصاص، فقد قال ما مختصره – بعد أن ذكر الأقوال المأثورة في المراد بها -:

(قول الله تعالى: ? لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ? أمر في صورة الخبر، وجائز أن يكون نزول ذلك قبل الأمر بقتال المشركين , فكان في سائر الكفار حيث كان القتال محظوراً في أول الإسلام إلى أن قامت عليهم الحجة بصحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما عاندوه بعد البيان أمر المسلمون بقتالهم , فنسخ ذلك عن مشركي العرب بقوله تعالى: ? فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ? (التوبة: من الآية5) وسائر الآي الموجبة لقتال أهل الشرك , وبقي حكمه على أهل الكتاب إذا أذعنوا بأداء الجزية ودخلوا في حكم أهل الإسلام وفي ذمتهم. ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف.

وجائز أن يكون حكم هذه الآية ثابتا في الحال على جميع أهل الكفر ; لأن فيها الأمر بأن لا نكره أحداً على الدين , وذلك عموم يمكن استعماله في جميع الكفار.

فإن قال قائل: فمشركو العرب الذين أمر النبي r بقتالهم، وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف قد كانوا مكرهين على الدين , ومعلوم أن من دخل في الدين مكرهاً فليس بمسلم , فما وجه إكراههم عليه؟

قيل له: إنما أكرهوا على إظهار الإسلام لا على اعتقاده ; لأن الاعتقاد لا يصح منا الإكراه عليه ; ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:» أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله «([12])، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن القتال إنما كان على إظهار الإسلام , وأما الاعتقادات فكانت موكولة إلى الله تعالى.) ([13])

وأما ابن العربي، فوجّه الآية توجيهاً آخر، وقال: (قوله تعالى: ? لا إِكْرَاهَ ? عموم في نفي إكراه الباطل، فأما الإكراه بالحق فإنه من الدين ; وهل يقتل الكافر إلا على الدين ; قال r : » أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله «، وهو مأخوذ من قوله تعالى: ? وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ? (البقرة: من الآية193) وبهذا يستدل على ضعف قول من قال: إنها منسوخة.) ([14])

النتيجة:

ما قرره أبو بكر الجصاص هو الراجح فيما ظهر لي، كما أن قول ابن جرير وجيه، ويحمل على الإكراه على إظهار الإسلام؛ فهذا الإكراه خاص بالمشركين الوثنيين، ولا يجوز إكراه من تقبل منه الجزية على الدخول في الإسلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير