تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال المثبت: الأثر المذكور جاء من رواية شعبة، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ومن المعلوم لدى المشتغلين بالسنّة: دلالةُ رواية شعبة بن الحجاج على سماع الرواة الذين روى عنهم بعضهم من بعض، لا في طبقة شيوخه وشيوخهم، بل في طبقة شيوخ شيوخه وشيوخهم أيضًا.

قال النافي: ما ذكرته عن شعبة رحمه الله مشهور عنه، لكنه قرينة أغلبية ليس دليلا قطعيا، وهذه القرينة يستفاد منها ويفزع إليها في مواضع، وليس هذا منها لأن نصوص النقاد – مسلم ومن معه- صريحة قاضية بعدم سماعه.

ويؤيد ما نقول المثال الذي نقلته من العلل لابن أبي حاتم 1/ 448 –وليتك أكملته- ونصه:

"سألت أبي عن اختلاف حديث عمار بن ياسر في التيمم، وما الصحيح منها؟

فقال: رواه الثوري، عن سلمة، عن أبي مالك الغفاري، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم ... قلت: فأبو مالك سمع من عمار شيئا؟ قال: ما أدرى ما أقول لك! قد روى شعبة، عن حصين، عن أبي مالك، سمعت عمارا، ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار ما كان شعبة يرويه، وسلمة أحفظ من حصين. قلت: ما تنكر أن يكون سمع من عمار، وقد سمع من ابن عباس؟ قال: بين موت ابن عباس وبين موت عمار قريب من عشرين سنة".

فترى أن أبا حاتم أشار إلى ما أشرت إليه من تميز شعبة في هذا، بل نقل روايته التي فيها التصريح بسماع أبي مالك من عمار، ومع هذا جعلها مرجوحة وقوى عدم السماع.

وقال ابن رجب في (شرح العلل) 2/ 594 –بعد أن ذكر بعض أوهام الرواة في التصريح بالسماع-:" وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد، فقد ذكر ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه ويكون منقطعاً".

ونخشى أن يكون ما ذكرته أيها المثبت من جملة تلك الأشياء.

قال المثبت: إليك أيها النافي الحجة الدامغة، والبرهان الساطع على ما نقول وهو التصريح بالسماع الذي جاء عند ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 330 رقم 1742) قال: «حدثنا يونس بن حبيب: حدثنا أبو داود: حدثنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت أبا صالح مولى أمّ هانيء، أنه سمع ابن عباس يقول في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]، قال: أنفق في سبيل الله، وإن لم تجد إلا مِشْقصًا».

قال النافي: رواية أبي صالح عن ابن عباس من الروايات المشهورة، ولم يوقف في شئ منها على التصريح بالسماع سوى ما ذكرت، وقد توارد الأئمة الحفاظ: مسلم، فابن حبان، فالعلائي، فابن الملقن، فابن حجر، وغيرهم على نقل عدم السماع، ولو كان سماعه محفوظا لاشتهر لأن هذا مما تتوافر الهمم على نقله، فلعل هذا خطأ من بعض النساخ، أو وهم من بعض الرواة، فالأخطاء في التصريح بالسماع واردة وعليها أمثلة، وسبق النقل عن ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه ويكون منقطعاً.

قال المثبت: ثمة بعض القرائن التي تدل على قدم طبقة أبي صالح –ذكرها الشيخ في أصل المقال- مما يدل على سماعه ممن هو قبل ابن عباس فضلا عنه.

قال النافي: عدت بنا إلى مسألة شائكة تساقطت عليها عمائم الرجال وتكسرت فيها النصال على النصال، وهي: متى يحكم بسماع الراوي ممن روى عنه؟ وقد صنف فيها كتب، وجرت بسببها ردود ومناقشات، ولا مجال هنا للخوض فيها، لكن لايخفى أن الأئمة يفرقون بين تقريب إمكان السماع بذكر بعض القرائن، مثل: أدرك فلانا، أو: كان قديما يمكنه السماع منه، أو يذكرون سماع من هو أصغر من المسؤول عنه، أو يذكرون سماعه ممن مات قبل من وقع عليه السؤال، ونحو ذلك، فهذه قرائن وليست أدلة على إثبات السماع.

قال ابن رجب في (شرح علل الترمذي) 2/ 599:"وسئل –يعني الإمام أحمد- عن أبي ريحانة سمع من سفينة؟ قال: ينبغي هو قديم، قد سمع من ابن عمر.

قيل –القائل ابن رجب-: لم يقل إن حديثه عن سفينة صحيح متصل، إنما قال: هو قديم ينبغي أن يكون سمع منه، وهذا تقريب لإمكان سماعه، وليس في كلامه أكثر من هذا".

قال المثبت: يدل على ما نقرره تصريح أحد الأئمة بذلك فقد قال الدولابي في ترجمته من الكنى (2/ 656): «سمع من علي، وابن عباس".

قال النافي: رحمك الله أيها المثبت، فأين هذا الواحد من الجماعة؛ مسلم ومن معه الذين نقلوا عدم السماع، فقبول الجماعة أولى بالقبول لأنه أبعد عن الغلط.

وبعد .. فهذه معاقد حجج الطائفتين، ومنزع أدلة الفريقين، ولست أجزم بأحد المذهبين، بل أستخير فيها حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين.

ـ[أبوكاظم]ــــــــ[27 Jul 2006, 01:45 ص]ـ

جزاكم الله خيرا.

وعندي سؤال لفضيلتكم عن هذه العبارة:

"وقد ظهر لي سبب افتراء الكلبي لهذه الفرية، التي يدّعي فيها أن أبا صالح أقرّ على نفسه بالكذب، مع ما لا يخفى من بُعْد وقوع مثل هذا الإقرار في العادة، مما يشهد على كذب دعوى هذا الإقرار نفسها، وهذا السبب هو أن أبا جناب يحيى بن أبي حيّة، قال: «حلف أبو صالح: أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئًا». (الجرح والتعديل 7/ 271). فيبدو أن الكلبي لمّا بلغه أن أبا صالح كذّبه، واجه التكذيب بالتكذيب!! "

لا يخفى على جنابكم ضعف أبي جناب فلا يحتج بما حكاه إلا أن يكون لهذه الحكاية راو آخر مع أن الكلبي لا يعتد به على كل حال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير