وهذه التمحلات ليست من قبيل الخطأ في الرأي، والزلل في فهم الآيات، وإنما هي مؤامرة مدبرة ضد الإسلام، وخطة محبوكة لإلغاء هداية القرآن للناس، وكأنها جاءت تالية لإخفاق مؤامرة التحريف التي ادعوها في كتاب الله، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون (9).
ثامناً: نماذج من تأويلات النصيرية: التأويل الباطني هو أحد مرتكزات العقيدة النصيرية، ويزعم النصيريون أنهم وحدهم هم العالمون ببواطن الأسرار والأمور "وفي اعتقاد النصيرية أن معرفة المراتب ظاهراً وباطناً هو ذروة العبادة وتُغْنيهم عن الفروض والعبادات؛ لأنها في نظرهم أغلال للجاهلين والمقصِّرين" (10).
فالنصيريون يرون أن "من عرف الباطن سقط عنه عمل الظاهر وخرج من حد المملوكية ورق العبودية إلى حد الحرية" (11).
ومن هذا المنطلق ذهب النصيريون إلى تأويل العبادات كلها تأويلاً بعيداً عن فهم العقل، ومنطق اللغة، ومنهج الدين (12).
وإليك بعض تأويلاتهم:
1 - الشهادة: التي هي أول ركن من أركان الإسلام ما هي عند النصيرية؟
"هي أن تشير إلى صيغة (ع - م - س) التي هي رموز لـ: علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وسلمان الفارسي -رضي الله عنه- على الترتيب" (13).
2 - الصلاة: وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين ما هي عند النصيرية؟
"يزعمون - إجمالاً - أنها معرفة النصيريين بأسرار دينهم، وهذا لا يكون إلا بالولاء لخمسة أشخاص هم: علي، ومحمد، والحسن، والحسين، وفاطمة التي يدعونها بـ فاطر، وهؤلاء الخمسة معروفون في المذهب النصيري بنعت: الخمسة المصطفون".
أو يذكرون: بدلاً من محمد: محسن.
3 - الصيام: الصيام المفروض عندهم هو كتمان أسرارهم، وهو -أيضاً- حفظ السر المتعلق بثلاثين رجلاً تمثلهم أيام رمضان، وثلاثين امرأة تمثلهن ليالي رمضان، فمعرفة هذه الأسماء الستين وتلاوتها يجزيهم عن الصيام".
4 - الزكاة: "أما الزكاة عندهم فهي رمز لسلمان الفارسي" فمجرد ذكر سلمان الفارسي يغني عن دفع الزكاة.
5 - الحج: أما الحج "فيزعمون أن جميع مناسكه وشعائره ما هي إلا رموز لأشخاص معينة، وما الحج عندهم إلا مجرد التوصل إلى معرفة الأشخاص بأسمائهم".
يقول سليمان الأذني صاحب الباكورة السليمانية في تفسير السورة الرابعة عشرة واسمها البيت المعمور: "اعلم أن هذه السورة قد رتبها سلفاؤهم بإقامة الحج وهو أن البيت المعمور به في القرآن زيارته، وأركان البيت وسقفه وحيطانه هو كناية عن معرفة أولئك الأشخاص كقول الشيخ إبراهيم الطوسي في عينيته:
أيا قلب بيت الله وهو حجابه = وأما الصفي المقداد للضد قامع
ومروة مذكور أبو الدر شخصها = شعايره سلسل إلى الذات خاضع
وعتباته الحاءات أيا قلب شخصها = وحلقة باب البيت جعفر طالع
البيت هو: الحجاب السيد الميم، والصفي هو: المقداد، والعتبتان هما: الحسن والحسين، وحلقة الباب هي: معرفة جعفر الصادق، والمروة: معرفة أبي الدر، والمشعر الحرام: معرفة سلمان الفارسي، ويوجد ذلك مصرحاً في أكثر كتبهم، ومعرفة هؤلاء الأشخاص وهو نهاية حجهم ومعنى معرفتهم.
وأما سعي المسلمين إلى مكة فهو باطل عندهم ومذموم كما قال بعض شيوخهم في هذا المعنى:
ولقد لعنت لمن يحرم شربها = وجميع أهل الشام والحجاج" (14)
6 - الجهاد: أما الجهاد عند النصيرية فهو على نوعين ذكرها صاحب الباكورة السليمانية "أولها الشتائم على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وعلى جميع الطوائف المعتقدين بأن علي بن أبي طالب أو الأنبياء، أكلوا، أو شربوا، أو تزوجوا، أو ولدوا من نساء؛ لأن النصيرية يعتقدون بأنهم نزلوا من السماء بدون أجسام، وأن الأجسام التي كانوا فيها إنما هي أشياء، وليست هي بالحقيقة أجسام.
والنوع الثاني إخفاء مذهبهم عن غيرهم، ولا يظهرونه ولو أصبحوا في أعظم خطر، ولو خطر الموت" (15).
7 - الجنابة: "هي موالاة الأضداد والخصوم والجهل بالعلم الباطني" (16).
8 - الطهارة: "هي معاداة الأضداد والخصوم ومعرفة العلم الباطني" (17).
يقول الدكتور محمد الخطيب معلقاً على تلك التأويلات الباطنية: "وهكذا نتبين أن جميع الفرائض والعبادات الإسلامية لا اعتبار لها عند هذه الطائفة بأفعالها وأعمالها الظاهرة، وإنما ذِكْر بعض الأشخاص يغني عن كل هذه الأعمال التي يقوم بها الجهلة المقصرون من أهل الظاهر.
¥