- منع عدد من أهل العلم من تكنية الكافر وعللوا لما فيه من إكبار وتعظيم. وكثير ممن سوغ تكنيته ردها إلى نوع من الإكرام المباح ولاسيما للمصلحة من نحو قول ابن عبدالبر: "وفيه إجازة تكنية الكافر إذا كان وجها ذا شرف، وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه، لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملاً وقد قال: «إذا أتاكم كريم قوم، أو كريمة قوم، أو كريمة قوم، فأكرموه»، ولم يقل إن طمعتم بإسلامه".
- إشار بعضهم كالنووي إلى أن من الأدب أن لايكني المرء نفسه قال: "والأدب أن لا يذكر الرجل كنيته في كتابه ولا في غيره إلا أن لا يعرف إلا بكنيته أو كانت الكنية أشهر من اسمه". وعللوا: لأن الكنية تفيد التعظيم.
- عد بعضهم ترك تكنية صاحب المنصب والجاه لغير كما يقع من قبل بعض الخلفاء مع من هم دونهم من جملة التكبر [التمهيد 19/ 202].
- ما ثبت من تكنية النبي صلى الله عليه وسلم لعدد من أصحابه من ولد له ومن لم يولد وكذلك السلف، فإن كان هو الاسم سواء أو كان الاسم خيراً ما عدلوا إليها، خاصة مع إرشاده صلى الله عليه وسلم للدعاء بأحب الأسماء. ولهذا قال النووي: "ويستحب تكنية أهل الفضل من الرجال والنساء، سواء كان له ولد، أم لا، وسواء كني بولده، أم بغيره". أهـ من روضة الطالبين، وذكره غيره.
فائدة: من العجيب أن أبا حيان رحمه الله بعد أن قرر الاحتمال الرابع المذكور رجع في أول سورة الحجرات فقال: "وفي الحديث: «كنوا أولادكم». قال عطاء: مخافة الألقاب. وعن عمر: «أشيعوا الكنى فإنها سنة». انتهى، ولا سيما إذا كانت الكنية غريبة، لا يكاد يشترك فيها أحد مع من تكنى بها في عصره، فإنه يطير بها ذكره في الآفاق، وتتهادى أخباره الرفاق، كما جرى في كنيتي بأبي حيان، واسمي محمد. فلو كانت كنيتي أبا عبد الله أو أبا بكر، مما يقع فيه الاشتراك، لم أشتهر تلك الشهرة، وأهل بلادنا جزيرة الأندلس كثيراً ما يلقبون الألقاب، حتى قال فيهم أبو مروان الطنبي:
يا أهل أندلس ما عندكم أدب * بالمشرق الأدب النفاخ بالطيب
يدعى الشباب شيوخاً في مجالسهم * والشيخ عندكم يدعى بتلقيب ... "!
فرجع على الوجه الأخير الذي ذكره بالنقض، وماذا إلاّ لرسوخ ما قُرر في عرف العرب، وكذلك ابن حجر قرر ما قرر ثم نقل ما نقل.
فإذا تقرر ذلك، فقد يرد سؤال أشار إليه أبو حيان وهو: لماذا لم يكن الله أحداً من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهم بالإكرام أولى، وبالإعظام أحرى؟
وجوابه ما قاله الزمخشري: "قالوا: لم تكن الكنى لشيء من الأمم إلا للعرب وهي من مفاخرها"، وقد استجل السيوطي هذه الفائدة في المزهر، وهذا شائع معروف إلى يوم الناس هذا. فالعجم عندهم الألقاب كما أشار ابن القيم وعندهم النداء باسم الجد أو نحوه للرجل، وباسم الزوج للمرأة.
فإن قيل: فلماذ ما أكرم محمداً صلى الله عليه وسلم بالتكنية؟ أجيب عليه من وجوه فيقال" 1 - لقد أكرم الله نبيه عليه الصلاة والسلام بما هو فوق ذلك فأشار إليه في مقامات التشريف باسم العبودية المحضة المنسوبة لرب البرية.
2 - ولأن محمداً صلى الله عليه وسلم مذكور باسمه في كتب أهل الكتاب، (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ) الآية، فلما كان الخطاب لهم باسمه ناسب أن يصرح في القرآن بما ذكره لهم.
3 - ووجه آخر ذكره غزالي عصره أبوعلي الحسن اليوسي في المحاضرات فقال: "وأما الكنية واللقب فيعتبران بوجهين: الأول نفس إطلاق الكنية واللقب، وهما في هذا مختلفان، فإن الكنية الكثير فيها إذا لم تكن اسماً أن يراد بها التعظيم وينبغي أن يعلم أن الناس باعتبارها ثلاثة أصناف:
1 - صنف لا يكنى لحقارته، وهو معلوم من أن الحقارة أمر إضافي، فرب حقير يكون له من يراه بعين التعظيم فيكنيه، والمقصود أن التحقير من حيث هو حقير لا يكنى إلاّ هزءاً أو تلميحاً.
2 - وصنف لا ينبغي أن يكنى لاستغنائه عنها وترفعه عن مقتضاها، ومن ثم لا يكنى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنهم أرفع من ذلك حتى إنهم أشرفت رفعتهم على أسمائهم فشرفت، فإذا ذكروا بها كانت أرفع من الكنى في حق غيرهم، وللملوك وسائر أكابر الناس نصيب من هذا المعنى.
¥