تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الأسس التفسيرية المتعلقة بطبيعة الدين الإسلامي تتركز حول خصائص ومميزات الإسلام، التي تجعله يختلف عن غيره من الديانات والمذاهب والمعتقدات، سواءا كانت سماوية وعبثت بتعاليمها يد جهال البشر، أم كانت من صنع الإنسان، وابتكار هواه ابتداء. ويمكننا ان نقسم هذه الأسس التفسيرية إلى تسعة أسس:

أ- الإسلام دين الفطرة، فهو يسير هينا لينا معها «يدفعها من هنا، ويردعها من هناك، ويقومها حتى لا تميل، ولكنه لا يكسرها، ولا يحطمها، إنه يصبر عليها صبر العارف الواثق من الغاية المرسومة، والذي لا يتم في هذه الجولة يتم في الجولة الثانية والثالثة، والعاشرة أو المائة او الألف ... فالزمن ممتد، والغاية واضحة، والطريق إلى الهدف الكبير طويل، وكما تنبت الشجرة

الباسقة، وتضرب بجذورها في التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك .. كذلك ينبت الإسلام ويمتد في بطء وعلى هينة وفي طمأنينة، ثم يكون دائما ما يريده الله أن يكون .. والزراعة قد تسقى عليها الرمال، وقد يأكل بعضها الدود، وقد يحرقها الظمأ، وقد يغرقها الري، ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء وانها ستغالب الآفاق كلها على المدى الطويل، فلا يتعفن ولا يقلق، ولا يحاول إنضاجها بغير وسائل الفطرة الهادئة المتزنة السمحة الودودة، إنه المنهج الإلهي في الوجود كله {ولن تجد لسنة الله تبديلا}».

ب- شريعة الله التي ارتضاها -سبحانه- لعباده ما هي إلا جزء من القانون الكلي في الكون، ومن ثم فتطبيقها يعمل - لا ريب - على تحقيق التناسق والتجاوب والتوازن مع كل مخلوقات الله سبحانه في الوجود: «إن شريعة الله للناس هي طرف من قانونه الكلي في الكون، فإنفاذ هذه الشريعة لابد أن يكون له أثر إيجابي في التنسيق بين سيرة الناس، وسيرة الكون، والشريعة إن هي إلا ثمرة الإيمان، لا تقوم وحدها، بغير أصلها الكبير، فهي موضوعة لتفذ في مجتمع مسلم، كما أنها موضوعة لتساهم في بناء المجتمع المسلم، وهي متكاملة مع التصور الإسلامي كله للوجود الكبير، وللوجود الإنساني، ومع ما ينشئه هذا التصور من تقوى في الضمير، ونظافة في الشعور، وضخامة في الاهتمامات، ورفعة في الخلق، واستقامة في السلوك، وهكذا يبدو التكامل والتناسق بين سنن الله كلها، سواء ما نسميه القوانين الطبيعية، وما نسميه القيم الإيمانية، فكلها أطراف من سنة الله الشاملة لهذا الوجود».

ج- المنهج الإسلامي منهج صالح للتطبيق في كل الأزمنة والبيئات، وهو منهاج عمل موضوع للإنسان، وآخذ في الاعتبار فطرته، وإمكانياته المادية والمعنوية، وهو فضلا عن ذلك موضوع للآماد الطوال، ومن ثم فهو بعيد النظر «فالمنهج الإلهي - كما يبدو في ظلال القرآن - موضوع ليعمل في كل بيئة، وفي كل مرحلة من مراحل النشأة الإنسانية، وفي كل حالة من حالات النفس البشرية الواحدة، وهو موضوع لهذا الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض، آخذ في الاعتبار فطرة الإنسان وطاقاته واستعداداته، وقوته وضعفه، وحالاته المتغيرة التي تعتريه. إن ظنه لا يسوء بهذا الكائن فيحتقر دوره في الأرض، أو يهدر قيمته في صورة من صور حياته، سواء وهو فرد، او وهو عضو في جماعة، كذلك هو لا يهيم مع الخيال، فيرفع هذا الكائن فوق قدره، وفوق طاقته، وفوق مهمته التي أنشأه الله لها يوم أنشأه، ولا يفترض في كلتا الحالتين أن مقومات فطرته سطحية، تنشأ بقانون، أو تكشط بجرة قلم! الإنسان هو هذا الكائن بعينه، بفطرته وميوله، واستعداداته، يأخذ بحسب تكوينه ووظيفته، ويحترم ذاته وفطرته، ومقوماته، وهو يقود في طريق الكمال الصاعد إلى الله، ومن ثم فإن المنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل - الذي يعمله خالق هذا الإنسان، ومنزل هذا القرآن - ومن ثم لم يكن معتسفا، ولا عجولا في تحقيق غاياته العليا من هذا المنهج».

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير