تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

د- القيم الإيمانية والقوانين الطبيعية صنوان لا ينفصلان، فكلاهما من السنن الإلهية المترابطة، فهناك قوم - انطلاقا من دوافع مغرضة، أو نتيجة الجهل وسوء الفهم، والتدبر - يفصلون «بين نوعين من السنن الإلهية هما في حقيقتهما غير منفصلين، فهذه القيم الإيمانية هي بعض سنن الله في الكون كالقوانين الطبيعية سواء بسواء، ونتائجها مرتبطة ومتداخلة، ولا مبرر للفصل بينهما في حس المؤمن وفي تصوره .. وهذا التصور الصحيح الذي ينشئه القرآن في النفس حين تعيش في ظلال القرآن، ينشئه وهو يتحدث عن أهل الكتاب السابقة، وانحرافهم عنها، وأثر هذا الانحراف في نهاية المطاف: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم، ولأدخلناهم جنات النعيم، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}. وينشئه وهو يتحدث عن وعد نوح لقومه {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} وينشئه وهو يربط بين الواقع النفسي للناس، والواقع الخارجي الذي يفعله الله بهم: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

إن الإيمان بالله، وعبادته على استقامة، وإقرار شريعته في الأرض .. كلها إنفاذ لسنن الله، وهي سنن ذات فاعلية إيجابية، نابعة من ذات المنبع الذي تنبثق منه سائر السنن الكونية التي نرى آثارها الواقعية بالحس والاختبار».

هـ - لا مجال للصدفة في الوجود، فكل شيء فيه لحكمة، والمؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب، والله هو الذي يقدر آثارها ونتئجها «وفي ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان للمصادفة العمياء، ولا للفتلة العارضة {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}، وكل أمر لحكمة، ولكن حكمة الغيب العميقة لا تتكشف للنظرة الإنسانية القصيرة، {فعسى أن تكرهوا شيئا، ويجعل الله فيه خيرا لكم}. {وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. والأسباب التي تعارف عليها الناس، قد تتبعها آثارها، وقد لا تتبعها، والمقدمات التي يراها الناس حتمية، قد تعقبها نتائجها، وقد لا تقعبها، ذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنشئ الآثار والنتائج، وإنما هي الإرادة الطليقة، التي تنشئ الآثار والنتائج، كما تنشئ الأسباب والمقدمات سواء {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}، {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}. والمؤمن يأخذ بالأسباب لأنه مأمور بالأخذ بها، والله هو الذي يقدر آثارها ونتائجها، والاطمئنان إلى رحمة الله، وعدله، وإلى حكمته، وعلمه، هو وحده الملاذ الأمين، والنجوة من الهواجس والوساوس {الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة وفضلا، والله واسع عليم} .. ».

وـ ليس هناك أدنى تعارض بين المنهج الإلهي، والإبداع الإنساني، فالإسلام لا يصادر فكر الإنسان، ولا يعطل قدراته العقلية، والنفسية والعضلية، بل يفسح لها المجال جميعا لتحقق مفهوم الاستخلاف بكل أبعاده التي حددها التصور الإسلامي، «وهناك عصابة من المضللين الخادعين، أعداء البشرية، يضعون لها المنهج الإلهي في كفة، والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى، ثم يقولون لها: اختاري! اختاري إما المنهج الإلهي في الحياة والتخلي عن كل ما أبدعته يد الإنسان في عالم المادة، وإما الأخذ بثمار المعرفة الإنسانية والتخلي عن منهج الله! وهذا خداع لئيم خبيث. فوضع المسألة ليس هكذا أبدا، إن المنهج الإلهي ليس عدوا للإبداع الإنساني، إنما هو منشئ لهذا الإبداع وموجه له الوجهة الصحيحة .. ذلك كي ينهض الإنسان بمقام الخلافة في الأرض. هذا المقام الذي منحه الله له. وأقدره عليه، ووهبه من الطاقات المكنونة ما يكافئ الواجب المفروض عليه فيه. وسخر له من القوانين الكونية ما يعينه على تحقيقه، ونسق بين تكوينه وتكوين هذا الكون ليملك الحياة والعمل والإبداع .. على ان يكون الإبداع نفسه عبادة الله، ووسيلة من وسائل شكره على آلائه العظام، والتقيد بشرطه في عقد الخلافة، وهو أن يعمل ويتحرك في نطاق ما يرضي الله. فأما أولئك الذين يضعون المنهج الإلهي في كفة والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى، فهم سيئوا النية، شريرون، يطاردون البشرية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير