المتعبة الحائرة كلما تعبت من التيه والحيرة والضلال، وهمت أن تسمع لصوت الحادي الناصح، وأن تؤوب من المتاهة المهلكة، وأن تطمئن إلى كنف الله ... ».
زـ الأصل في الحياة كلها الخير والصلاح والإحسان، وهي في منهج الله أصيلة في بناء هذا الوجود، شأنها شأن الحق، وهي «باقية في الأرض {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها، فاحتمل السيل زبدا رابيا، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله، كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال} .. {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء}.
أي طمأنينة ينشئها هذا التصور؟ وأي سكينة يفيضها على القلب؟ وأي ثقة في الحق والصلاح؟ وأي قوة واستعلاء على الواقع الصغير يسكبها في الضمير؟ ... ».
ح ـ النصرة والغلبة للحق، ولدعاته وإن كانوا قلة، وكان أنصار الباطل كثرة {قال الذين يطنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين}.
«فهذه هي القاعدة في حس الذين يوقنون أنهم ملاقو الله، القاعدة: ان تكون الفئة المؤمنة قليلة لأنها هي التي ترتقي الدرج الشاق حتى تنتهي إلى مرتبة الاصطفاء والاختيار ولكنها تكون الغالبة، لأنها تتصل بمصدر القوى، ولأنها تمثل القوة الغالبة، قوة الله الغالب على أمره، والقاهر فوق عباده، محطم الجبارين، ومخزي الظالمين، وقاهر المتكبرين».
3 - أسس تتعلق بطبيعة الإنسان، وعلاقته بخالقه، وبأخيه الإنسان وبالكون من حوله.
I. جنسية المسلم عقيدته: الإنسان مخلوق كريم، سخر الله له كل ما في الوجود لخدمته، ومكنه منه ليتحقق مفهوم الاستخلاف: «ولأن الإنسان بهذا القدر من الكرامة، والسمو، جعل الله الآصرة التي يتجمع عليها البشر، هي الآصرة المستمدة من النفحة الإلهية الكريمة، آصرة العقيدة في الله، فعقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله، ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع، وسياج!».
Ii. الإنسان قوة فعالة من قوى الوجود: «وعلمه وإرادته، وإيمانه، وصلاحه، ونشاطه، هي كذلك قوى ذات آثار إيجابية في هذا الوجود، وهي مرتبطة بسنة الله الشاملة للوجود، وكلها تعمل متناسقة، وتعطى ثمارها كاملة حين تتجمع وتتناسق، بينما تفسد آثارها، وتضطرب، وتفسد الحياة معها، وتنتشر الشقوة بين الناس، والتعاسة حين تفترق، وتتصادم {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. فالارتباط قائم وثيق بين عمل الإنسان، وشعوره وبين مجريات الأحداث في نطاق السنة الإلهية الشاملة للجميع_».
Iii. المؤمن ذو نسب عريق يتمثل في أنبياء الله الصالحين، وتجربته مع الجاهلية لا تختلف في شيء عن تجربتهم معها، ومصيره هو مصيرهم، ويقينه هو نفس يقينهم «هذا الموكب الكريم الممتد في شعاب الزمان من قديم، يواجه - كما يتجلى في ظلال القرآن- مواقف متشابهة، وأزمات متشابهة، وتجارب متشابهة، على تطاول العصور، وكر الدهور، وتغير المكان، وتعدد الأقوام، يواجه الضلال، والعمى والطغيان، والهوى، والاضطهاد، والبغى، والتهديد، والتشريد، ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو، مطمئن الضمير، واثقا من نصر الله، متعلقا بالرجاء فيه، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم، ذلك لمن خاف مقامي، وخاف وعيد}.
موقف واحد، وتجربة واحدة، وتهديد واحد، ويقين واحد، ووعد واحد للموكب الكريم، وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف، وهو يتلقون الاضطهاد، والتهديد والوعيد».
Iv. علاقة الإنسان بالكون من حوله علاقة صداقة ومودة، فالكون له روح تتلقى وتستجيب، وتشارك الإنسان عبوديته لله، ومن ثم فلا
¥