تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبذلك تكون السنة هي المصدر الوحيد لتفصيل أحكام الحلال والحرام، والعبادات والمعاملات، ومن تجاوز تفسير السنة لتلكم الأمور المجملة فقد افترى على القرآن، وتجنى على صحب الرسالة ذلك "أن الإتجاه إلى تفسير القرآن من غير اعتماد على السنة، والإستعانة بها في هذا الباب خروج على الشريعة. فقد قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم}.

والذين يتركون السنة زاعمين أنهم يأخذون بالقرآن يهجرون القرآن والسنة معا ويحاربون تبليغ النبي -صلى الله عليه وسلم - لرسالته".

ومما سبق يمكننا القول إن القرآن خير مفسر لكتاب الله تعالى، لأنه سبحانه وتعالى، أعلم بما جاء في كتابه، ويأتي بعده في الأهمية والأفضلية السنة النبوية المطهرة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتصف بالعصمة، ومعرفته مستمدة من علم الله سبحانه وتعالى، كما أن وظيفته الأساسية هي التبليغ والشرح والبيان، ومن ثم فتفسيره - صلى الله عليه وسلم- للقرآن أمر توقيفي لا مجال للإجتهاد فيه.

هل فسر الرسول -صلى الله عليه وسلم - القرآن الكريم؟

اختلف أهل السنة في الكمية التي فسرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من القرآن الكريم. وقد نشأ هذا الخلاف بين العلماء بعد أن تناقل الناس الحديث الذي روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- والذي مفاده أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- ما كان يفسر من كتاب الله إلا آيا يعلمه إياهن جبريل. ومن ثم انقسموا إلى فريقين:

1 - الفريق الأول يقول إن الرسول قد فسر القرآن كله، وقد قال به جمع من السلف، وحكى ذلك عنهم القرطبي في تفسيره حيث قال:"وروى الأوزاعي عن حسان ابن عطية قال كان الوحي ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك (2)، وروى سعيد بن منصور: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن مكحول قال: القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن، وبه عن الأوزاعي قال: قال يحيى بن أبي كثير: السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب بقاض على السنة. قال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - وسئل عن هذا الحديث الذي روى أن السنة قاضية على الكتاب، فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكن أقول: إن السنة تفسر الكتاب وتبينه ".

وهذه الأقوال كلها وإن كانت لم تصرح بأن السنة قد فسرت القرآن كله، إلا أننا إذا أمعنا فيها النظر وجدناها تفيد ذلك.

ولعل الإمام الطبري (224هـ/310هـ) هو أول مفسر بين أن السنة مفسرة لكل القرآن الكريم، وإن كان لم يصرح بذلك، وإنما يفهم من خلال مناقشته لحديث السيدة عائشة السابق الذكر. وهذا نص كلامه: "أما الخبر الذي روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلى آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل وهو: إن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه الذي هو مجمل في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة، لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما أشبه ذلك مما تحويه آي القرآن من سائر حكمه الذي جعل الله بيانه لخلقه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يعلم أحد من خلق الله تأويل ذلك إلا ببيان الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا يعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بتعليم الله إياه ذلك بوحيه إليه، إما مع جبريل أو مع من شاء من رسله إليه، فذلك هو الآي التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفسرها لأصحابه بتعليم جبريل إياه، وهن لا شك آي ذوات عدد ...

ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو ما يسبق إليه أوهام أهل الغباء، من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه، كان إنما أنزل إليه -صلى الله عليه وسلم - الذكر ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين ما أنزل إليهم ... ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير