تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهو نفس ما يستخلص من مناقشة الإمام عبد الحق بن عطية (481هـ/542هـ) لدلالة الحديث الذي روته السيدة عائشة، من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفسر شيئا من القرآن برأيه إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.

ولعل أول من صرح بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم -قد فسر القرآن كله هو الإمام ابن تيمية، وذلك في تابه "مقدمة في أصول التفسير" حيث يقول: "يحب أن يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} (يتناول هذا وهذا ".

وإذا كان الرسول قد بين المعاني والألفاظ القرآنية، فإن ذلك يعني أنه قد فسر لصحابته كل القرآن الكريم: أمره ونهيه، حلاله وحرامه، محكمه ومتشابهه ناسخه ومنسوخه، عمومه وخصوصه.

ولا يفهم من هذا أن ابن تيمية يعتبر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد فسر القرآن كله آية آية تفسيرا قوليا، وإنما قصده أنه قد فسره كله بالمعنى الشامل للسنة، أي بالقول والفعل والإقرار. وفي ذلك يقول الدكتور صبري متولي: "إن التفسير النبوي للقرآن ليس معناه الحجم المقروء الذي وصل إلينا، بل إن أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وتقريراته تعد تفسيرا للقرآن. وقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: (كان خلقه القرآن) ".

ويفهم هذا كله من قول ابن تيمية -رحمه الله-: "كل ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن: قال الله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما}. وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}. وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}. ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إني أوتيت القرىن ومثله معه) يعني السنة، والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن لأنها تتلى كما يتلى ".

وجدير بالذكر أن ما بين أيدينا من تفسيرات الرسول -صلى الله عليه وسلم- للذكر الحكيم ليست هي كل ما قاله في ذلك، بل هو ما وصلنا عن طريق الرواة، وهناك احتمال كبير في أن قسما كبيرا من تفسيراته -صلى الله عليه وسلم - للقرآن الكريم قد ضاعت مع موت الصحابة أو استشهادهم في حروب الردة التي استشهد فيها جمع كبير من علماء الصحابة، وقراء القرآن الكريم، وحفظة السنة النبوية.

2 - وأما الفريق الثاني فيرى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسر جزءا من القرآن الكريم، وقد قال بذلك الإمام السيوطي، وصاحب مقدمة كتاب المباني، وهو كتاب مجهول اعتنى آرثر جفري بنشر مقدمته في التفسير، وقد جاء فيها ما نصه: " إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفسر إلا آيا معدودة من قبله. إن الذين شاهدوا نزول القرآن نجما نجما، وعاينوا الحوادث التي نزل فيها، وعرفوا المتقدم فيه والمتأخر، لم يحتاجوا في بيان أحكامه في باب الخصوص والعموم، والناسخ والمنسوخ إلى ما يحتاج إليه من بعدهم ممن لم يشاهد تلك الأحوال، لا سيما وهم أرباب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، قد نشأوا عليها حتى كانت لهم طبعا وسجية لم ينكت فيها مراس لغة أخرى بفساد، فما الذي كان يحوجهم إلى تفسير ما يتلى عليهم مما هم بحقيقته عارفون إلا آيا معدودة قد أجملت فيها أحكام الشريعة بحيث لا يوقف عليه إلا بيان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما الذي يغنينا عن طلب ما عرفوه لمشاهدة أحوال النزول، ولسلامة طباعهم في اللغة العربية بما أمكننا من شدة الجهد لعلنا نقف من ذلك بعد الجهد على بعض ما كانوا يقفون عليه عفوا".

وقد قال بذلك أيضا جماعة من العلماء المحدثين، ومنهم الدكتور عبد شحاته الذي يرى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يمكنه أن يفسر كل القرآن لأن منه ما استأثر الله سبحانه بعلمه. وفي ذلك يقول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير