تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"والحق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الكثير من معاني القرآن لأصحابه كما تشهد بذلك كتب الصحاح، ولم يبين كل معاني القرآن، لأن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، قال ابن عباس (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله) ".

وللشيخ متولي شعراوي رأي قويم في هذه المسالة، فهو ينظر إليها بناء على التفريق بين آيات الأحكام والآيات الكونية، فإذا جاز لنا أن نقول إن الرسول فسر القرآن كله فإن ذلك سيضعنا أمام مفارقة غريبة، إذ كيف سيفسير الآيات الكونية، أيفسرها على حقيقتها التي هي عليها في الواقع، أم يفسرها بما تطيقه عقلية معاصريه؟، وفي ذلك يقول: "لم يفسر لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن، لأنه لو فسره لكان يجب أن يفسره بما تطيقه عقول معاصريه، ولو فسره بالأشياء التي توجد في القرن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين لتعجب معاصروه أيما تعجب، ولاستعظموه أيما استعظام، لأنه للآن مازال أناس ينكرون أن الأرض تدور، ولو أنه -صلى الله عليه وسلم - فسره على قدر عقل معاصريه ومعلوماتهم الكونية لحجر علينا ولجمد القرآن، لأن من يتصدر لتفسير القرآن بعد ذلك سيواجه بأن الرسول فسره هكذا، وعليك ألا تزيدعن ذلك، ولذلك فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك تفسير القرآن حتى تأخذ كل مرحلة فكرية من لمحات القرآن بقدر ما تستطيع، وذلك في أمور الكونيات، أما المطلوب من الأحكام فقد بينها صلوات الله عليه وأوضحها للناس".

ويستخلص من ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفسر القرآن كله، لأنه لو فسره كله لكان أحد أمرين:

1 - ستصبح تفاسير القرآن الكريم عبارة عن تحصيل حاصل، لا تضيف شيئا.

2 - سينتج عن ذلك جمود القرآن جمودا يجعله متجاوزا بمضي الزمن، فضلا عن أنه يشكل مصادرة خطيرة للعقل البشري.

ويرى الدكتور محمد بلتاجي أنه ليس في قولنا بعدم تفسيره -صلى الله عليه وسلم- لكل القرآن تعارض مع وظيفة الرسول كمبين للذكر الحكيم، وهذا نص كلامه:"ولايعارض هذا كله قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}، لأن البيان المطلوب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هنا هو أن يبين للصحابة وللمسلمين من بعدهم ما يفسر لهم ما ورد في القرآن من أصول العقيدة وأصول الدين، وما ورد فيه من الأحكام التشريعية العملية التي احتاج إليها المسلمون في عصره. وحديث معاذ بن جبل صريح في أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرر لمعاذ أنه سيقابل قضايا لا يجد نص حكمها مفصلا في آيات القرآن، ولا فيما فسره من السنة، ومن ثم أقره رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على بذل جهده فيها بقياس الشبيه، وبغير ذلك من أوجه الاعتبار التي علمها لهم، فالبيان الذي أمر به الله رسوله، وقام به الرسول هو ما يفسره القرطبي بقوله: "وأنزلنا إليك الذكر: يعني القرآن، لتبين للناس ما نزل إليهم في هذا الكتاب من الأحكام، والوعد والوعيد، بقولك وفعلك، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- مبين عن الله عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والصيام، وغير ذلك مما لم يفصله".

والراجح أنه ليس هناك تعارض بين الرأيين خاصة إذا أخذنا في الإعتبار أن ابن تيمية - وهو من أشد من يصرون على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد فسر القرآن كله لأصحابه- لم يجعل تفسير الرسول قاصرا على السنة القولية وحدها، بل أخذ بعموم مفهوم مصطلح السنة من قول وفعل وإقرار، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن ما كان يحثه على الإصرار على موقفه السابق هو خشيته أن يظن الناس أن في القرآن ما لا يدرك علمه إلى الله، وأن الخطاب القرآني بالنسبة للمخاطبين به من قبيل الكلام الأعجمي، حيث اتخذ ذلك تكأة لكل التأويلات المنحرفة والضالة، خاصة ما يتعلق منها بالصفات، حيث اعتبروها من المتشابه الذي لا يعلم معناه. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "ويبين ذلك أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين إن في القرآن آيات لا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير