فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ... وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في النسة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لاسيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، ومنهم عبد الله بن مسعود ".
ويقول في موضح آخر: "وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين". وجاراه في ذلك ابن كثير (ت 774هـ) في تفسيره.
وهو نفس رأي الإمام الزركشي (ت 794هـ) في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، وإن كان لم ينص على قول التابعي بل تجاوزه إلى ذكر النظر والإستنباط - أي الرأي القائم على أسس علمية رصينة - كمرجع من مراجع التفسير.
ويتضح لنا مما سبق أنه لا يكون متبعا لمنهج اهل السنة في التفسير من فسر القرآن بغير هذه المصادر أو من تجاوز مرحلة من مراحل التفسير إلى المرحلة التي تليها، كأن يكون للآية المزمع تفسيرها تفسير قرآني ولكنه يتجاوزه إلى تفسير الصحابي أو التابعي.
هذا ما اتضح لنا من خلال تتبعنا لنظرية أهل السنة في التفسير، وإن كنا نميل إلى أن اتباع منهج أهل السنة في التفسير لا يعني بالضرورة التمسك الحرفي بالخطوات المنهجية التي اتبعوها في تفسيرهم للخطاب القرآني، بقدر ما يعني عدم التعارض مع المبادئ الأساسية التي سطروها في نظريتهم التفسيرية، ومع النتائج التي توصلوا إليها في تطبيقاتهم.
كما أننا نلاحظ أن هذه المصادر التفسيرية تنقسم إلى قسمين:
1 - مصادر أساسية في التفسير وهي:
أ- القرآن الكريم.
ب- السنة المطهرة.
ح- أقوال التابعين، ويحتج بإجماعهم على أمر ما، أما إذا اختلفوا فيستحسن أن يختار أحد أقوالهم.
2 - مصادر فرعية، وهي:
أ- الفقه وأصول الفقه.
ب- علوم البلاغة
ح - علوم العربية.
وهذه تشكل مجموعة العلوم الضرورية التي يتعين على المفسر الإستعانة بها عند مباشرته تفسير القرآن الكريم، ويسمونها العدة الكسبية. وقد وضعوا على رأس هذه المصادر، شرطا أساسيا ينبغي توفره في المفسر حتى تتحقق أهليته للقيام بهذه الوظيفة الشريفة، وهو ما تعارفوا على تسميته بالعدة الوهبية، أو علم الموهبة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}.
موقف مفسري أهل السنة من الحديث
لما كان أهل السنة يعتمدون في تفسيرهم للقرآن الكريم على النقل والرواية أكثر من اعتمادهم على الرأي والدراية، فإننا نجدهم قد وضعوا نظرية نقدية متكاملة الجوانب، وذلك لنقد الأحاديث والأخبار، احترازا من تسرب الموضوعات إلى تفاسيرهم، مما يكون له الأثر السيء على كيان الأمة الإسلامية.
وهذه النظرية النقدية في الحديث تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
ينظر إلى المتن خاصة وبالأساس، وهذا عمل جليل قام به رواد أهل السنة خاصة منهم ابن تيمية الذي بين في "مقدمة في أصول التفسير" بعض الأحاديث المردودة بسبب متنها لا إسنادها. من ذلك قوله: "وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنها صدق، وقد يقطع بذلك، فعليه أدلة يعلم بها أنها كذب ويقطع بذلك، مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل، مثل حديث عاشوراء وأمثاله مما فيه: أن من صلى ركعتين كان له كأجر كذا وكذا نبى، وفي التفسير من هذه الموضواعات قطعة كبيرة، مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن سورة سورة، فإنه موضوع باتفاق أهل العلم".
وهذا المنهج ليس حادثا في الأمة بل هو ما جرى عليه الصحابة الذين لم يكن لهم سبيل إلى نقد الحديث النبوي الشريف إلا من حيث المتن، حيث لا توجد بين الصحابي والرسول -صلى الله عليه وسلم- سلسلة إسناد، فكان أن نما بينهم هذا النوع من النقد الداخلي للنصوص، وعلى أساسه ردوا كثيرا من الأحاديث التي تأكد لهم مخالفتها لهدى الرسول -صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا يتهمون الصحابي ناقل الحديث بالكذب، بل كانوا يحملون ذلك على السهو والنسيان، "وإنما يقع له الوهم غالبا لأحد الأسباب التالية:
1 - أن يحدث بما سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يدري أنه منسوخ.
¥