تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تأكيد اعتقاد البدعة وتثبيتها في صدورهم".

والمتكلمون قد اعتمدوا -نتيجة الجدل الدائر بينهم وبين بعض زنادقة وملاحدة الشعوب الدخيلة - على نفس الأدوات والمناهج التي يعتمدونها قصد إقناعهم من خلال ما يؤمنون به، ولكن هذه العملية قد جنت على الفكر الإسلامي جناية عظيمة، حيث ربطت أصوله ومبادئه بفلسفات الشعوب الدخيلة، كما أنها وضعت حقائقه ويقينياته موضع تساؤل واستفسار، كما أنها سوت بينها وبين الخرافات والأساطير الوافدة من الشرق أو الغرب، كما ان المتكلمين أقحموا عقلهم في موضوعات ومباحث هو غير مؤهل للخوض فيها، مما جعلهم يقعون في شراك الحيرة والشك والجهل والتناقض. وفي ذلك يقول ابن تيمية (661هـ/728هـ): "وأيضا فمن اعتبر ما عند الطوائف الذين لم يعتصموا بتعليم الأنبياء وإرشادهم وإخبارهم وجدهم كلهم حائرين، ضالين، شاكين، مرتابين، أو جاهلين جهلا مركبا".

وابن تيمية -رحمه الله - يفرق بين فريقين من المتكلمين، وإن كان جميعا مبدعة:

1 - أما الفريق الأول من المتكلمين فهم الذين اعتبروا متشابه القرآن محكما، ومحكمه متشابها، وعلى رأس هؤلاء الخوارج. وفي ذلك يقول: " وهؤلاء أضل ممن تمسك بما تشابه عليه من آيات الكتاب، وترك المحكم النصارى والخوارج وغيرهم، إذ كان هؤلاء أخذوا بالمتشابه من كلام الله وجعلوه محكما، وجعلوا المحكم متشابها".

2 - أما الفريق الثاني من المتكلمين فهم الذين وضعوا أصولا غير الكتاب والسنة، بحيث جعلوا أقوال مشايخهم البدعية محكمة يجب اتباعها والإهتداء بها، واعتبروا من خالفهم أو عارضهم فيها إما كافرا أو جاهلا. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "وعمدة الطائفتين في الباطن غير ما جاء به الرسول، يجعلون أقوالهم البدعية محكمة يجب اتباعها واعتقاد موجبها، والمخالف إما كافر وإما جاهل لا يعرف هذا الباب، وليس له علم بالمعقول ولا بالأصول، ويجعلون كلام الله ورسوله الذي يخالفها من المتشابه الذي لا يعرف معناه إلا الله، او لا يعرف معناه إلا الراسخون في العلم. والراسخون عندهم من كان موافقا لهم على ذلك القول، وهؤلاء أضل ممن تمسك بما تشابه عليه من آيات الكتاب وترك المحكم ".

وقد دفع هذا الموقف أهل السنة إلى مناقشة المحكم والمتشابه مناقشة مستفيضة، حتى إننا لنجد الإمام القرطبي (ت671هـ) يحاول في تفسيره جمع كل الأقوال على طريقة السلف في رواية الخلاف،، ثم يثبت ما يراه صحيحا، فينفي أن يكون المتشابه مما استأثر الله تعالى بعلمه، وذلك لأنه ينطلق من القاعدة المنهجية التي ألزم أهل السنة أنفسهم بها. ومفادها أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما لا يدرك علمه، ومما هو من قبيل الطلسمات التي لا يستطيع الإنسان فك أسرارها. وفي ذلك يقول: "وليس هذا من معنى الآية في شيء، فإن قوله تعالى {كتاب أحكمت آياته}، أي في النظم والرصف وأنه حق من عند الله، ومعنى {كتابا متشابها} أي يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا وليس المراد بقوله {آيات محكمات} {وأخر متشابهات} هذا المعنى، وإنما المتشابه في هذه الآية من باب الإحتمال والإشتباه من قوله {إن البقر تشابه علينا} أي التبس علينا، أي يحتمل أنواعا كثيرة من البقر، والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا، وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجها وحدا وقيل: إن المتشابه ما يحتمل وجوها ثم إذا ردت الوجوه إلى وجه واحد وأبطل الباقي صار المتشابه محكما، فالمحكم أبدا أصل ترد إليه الفروع، والمتشابه هو الفرع".

وابن تيمية له نفس الرأي وإن كان أكثر تفصيلا واستيعابا للموضوع، ولما لشعثه، فهو يثبت أن المتشابه ليس هو ما لا يدرك علمه إلى الله، لأن هذا هو مفهوم التفويض الذي يلجأ إليه أهل البدع كلما واجهتهم آية صريحة تعارض مذهبهم، وصعب أو امتنع عليهم تأويلها فيجعلونها من المتشابه الذي لا يعلمه إلى الله. وهذا نص قوله: "والمتفرقة من أهل الضلال تجعل لها دينا وأصول دين قد ابتدعوه برأيهم، ثم يعرضون على ذلك القرآن والحديث، فإن وافقه احتجوا به اعتضادا لا اعتمادا، وإن خالفه فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه، ويتأولونه على غير تأويله وهذا فعل أئمتهم، وتارة يعرضون عنه ويقولون نفوض معناه إلى الله وهذا فعل عامتهم".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير