تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفضلا عن ذلك فإن المتشابه أمر نسبي لا يشترك فيه كل الناس، ثم هناك آيات محكمات لا تشابه فيها على الإطلاق مما يتعين معه حمل المتشابه من آي الذكر الحكيم على محكمه: "إن التشابه أمر نسبي، فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره، ولكن ثم آيات محكمات لا تشابه فيها على أحد، وتلك المتشابهات إذا عرف معناها صارت غير متشابهة، بل القول كله محكم".

وقد يعترض أحد على هذا المسلك بأن بعض السلف الصالح -وهو ما حكاه عنهم القرطبي في الجزء الثاني من تفسيره- يقولون إن المتشابه هو ما لا يعلمه إلا الله. ولكن ابن تيمية يرد هذه الشبهة انطلاقا من القاعدة المنهجية التي تنص على التفريق بين تأويل الآية ومعرفة معناها، فالتأويل الذي استأثر الله بعلمه هو إدراك الحقيقة الخارجية للقضايا الغيبية، أي معرفتها على ما هي عليه في واقع أمرها، وليس هو معرفة معناها: "ومن قال من السلف إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله فقد أصاب أيضا، ومراده بالتأويل ما استأثرالله بعلمه، مثل وقت الساعة، ومجيء أشراطها، ومثل كيفية نفسه وما أعده في الجنة لأوليائه".

والواقع أن المعتزلة خاصة والفرق الكلامية والفلسفية عامة ليست أفكارهم إلا صدى للأصول التي اعتقدوها، وحكموها في عملية تفسير النصوص الشرعية، وللقواعد المنهجية التي ابتكروها بغية الإنتصار للرأي أو للمذهب. ففي مسألة المحكم والمتشابه لم يقفوا عند المفهوم القرآني، وإنما جعلوا كل ما تعارض مع مذهبهم أو قولهم أو رأيهم متشابها والمحكم هو ما اعتقدوه، ومن ثم فإن ابن تيمية حاول أن يحصر جميع معاني المحكم والمتشابه فوجدها لا تخرج عن ثلاث وهي:

1 - المحكم في مقابل المتشابه وفيه يقول:"وتارة يكون الإحكام في التأويل والمعنى، وهو تمييز الحقيقة المقصودة من غيرها حتى لا تشتبه بغيرها، وفي مقابلة المحكمات الآيات المتشابهات التي تشبه هذا وتشبه هذا فتكون محتملة للمعنيين. قال احمد: المحكم الذي ليس فيه اختلاف، والمتشابه الذي يكون في موضع كذا وفي موضع كذا ".

ثم بين أن هذا التفريق بين الآيات المحكمات والأخر المتشابهات لا يستفاد منه أن المحكم هو ما يعلم تفسيره، والمتشابه هو ما استأثر الله بعلمه، إذ إن أهل السنة يفرقون بين فهم الآية وإدراك معناها، وبين تأويلها. ومفاده الوقوف على الحقيقة العينية للقضايا الغيبية، أي إدراكها على ما هي عليه في عالم الشهادة: "ولم يقل في المتشابه لا يعلم تفسيره ومعناه إلا الله، وإنما قال: {وما يعلم تأويله إلى الله}، وهذا هو فصل الخطاب بين المتنازعين في هذا الموضع، فإن الله أخبر أنه لا يعلم تأويله إلى هو، والوقف هنا على ما دل عليه أدلة كثيرة، وعليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجمهور التابعين، وجماهير الأمة ولكن لم ينف علمهم بمعناه وتفسيره بل قال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات، وما لا يعقل له معنى لا يتدبر. وقال: {أفلا يتدبرون القرآن} ولم يستثن شيئا منه نهى عن تدبره، والله ورسوله إنما ذم من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فأما من تدبر المحكم والمتشابه كما أمره الله وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه الله، بل أمر بذلك ومدح عليه".

2 - المحكم في مقابل نسخ ما ألقاه الشيطان: "إن الإحكام تارة يكون في التنزيل فيكون في مقابلته ما يلقيه الشيطان، فالمحكم المنزل من عند الله أحكمه الله أي فصله من الإشتباه بغيره، وفصل منه ما ليس منه فإن الإحكام هو الفصل والتمييز، والفرق والتحديد الذي به يتحقق الشيء ويحصل إتقانه. ولهذا دخل فيه معنى المنع كما دخل في الحد، فالمنع جزء معناه لا جميع معناه".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير