تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

3 - المحكم في مقابل النسخ مطلقا: "وتارة يكون الإحكام في إبقاء التنزيل عند من قابله بالنسخ الذي هو رفع ما شرع وهو اصطلاحي، أو يقال- وهو أشبه بقول السلف- كانوا يسمون كل رفع نسخا سواء كان رفع حكم أو رفع دلالة ظاهرة. وإلقاء الشيطان في أمنيته قد يكون في نفس لفظ المبلغ، وقد يكون في سمع المبلغ وقد يكون في فهمه، كما قال: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} .. الآية. ومعلوم أن من سمع النس الذي قد رفع حكمه أو دلالة له فإنه يلقي الشيطان في تلك التلاوة اتباع ذلك المنسوخ فيحكم الله آياته بالناسخ الذي به يحصل رفع الحكم وبيان المراد، وعلى هذا التقدير فيصح أن يقال: المتشابه المنسوخ بهذا الإعتبار".

ومن هذا المنطلق ناقش ابن تيمية وغيره من اهل السنة -كالإمام أحمد بن حنبل، والإمام الطبري (224هـ/310هـ) والإمام أبي الحسن الاشعري (260هـ/324هـ) والإمام ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) والإمام ابن العز الحنفي (731هـ/792هـ) - كثيرا مما ذهبت إليه بعض الفرق الكلامية والفلسفية من إنكار بعض الحقائق الغيبية لتشبثهم بالمتشابه من القرآن الكريم، وعدم رده إلى محكمه باعتباره أصلا ولعل السبب في فتنتهم هو تشبثهم وإيمانهم بقاعدة منهجية خاطئة عقليا وعلميا وهي قياس الغائب على الشاهد، أي قياس الأمور الغيبية على ما هو معهود في حياة في البشر اليومية، وهو ما يعرف في اصطلاحات أهل الكلام بعالم الشهادة. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "وفي هذا رد على اليهود، والنصارى، والصابئين من المتفلسفة وغيرهم فإنهم ينكرون أن يكون في الجنة أكل وشرب ولباس ونكاح، ويمنعون وجود ما اخبر به القرآن. ومن دخل في الإسلام ونافق المؤمنين تأول ذلك على أن هذه أمثال مضروبة لتفهيم النعيم الروحاني إن كان من المتفلسفة الصابئة المنكرة لحشر الأجساد، وإن كان من منافقة الملتين المقرين بحشر الأجساد تأول ذلك على تفيهم النعيم الذي في الجنة من الروحاني والسماع الطيب والروائع العطرة. فكل ضال يحرف الكلم عن مواضعه إلى ما اعتقد ثبوته، وكان في هذا أيضا متبعا للمتشابه، إذ الأسماء تشبه الأسماء والمسميات تشبه المسميات، ولكن تخالفها أكثر مما تشابهها. فهؤلاء يتبعون هذا المتشابه {ابتغاء الفتنة} بما يوردونه من الشبهات على أمتناع أن تكون في الجنة هذه الحقائق {وابتغاء تأويله} ليردوه إلى المعهود الذي يعلمونه في الدنيا، قال الله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله}، فإن تلك الحقائق قال الله فيها {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم نم قرة أعين}، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ".

وقد أنكر أهل السنة عامة وابن تيمية خاصة على المتكلمين والفلاسفة أن تكون أسماء الله وصفاته من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله: " من قال: إن هذا من المتشابه، وأنه لا يفهم معناه فنقول أما الدليل على بطلان ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه".

وقد ناقش ابن تيمية المعتزلة في نفيهم للصفات بدعوى أنها من المتشابه الذي لا يعلمه إلى الله فبين أننا لا نفهم من جميع الصفات والأسماء معنى واحد، بل إننا نفهم من العلم غير ما نفهمه من القدرة، وما نفهمه من الإستواء هو غير ما نفهمه من النزول. ويمكن أن نطبق ذلك على جميع الصفات والاسماء، فليس هناك خلط بينها، بل هناك الوضوح والتباين في معانيها جملة وتفصيلا: " فيقال لمن ادعى في هذا أنه متشابه لا يعلم معناه: أتقول هذا في جميع ما سمى الله ووصف به نفسه أم في البعض؟ فإن قلت: هذا في الجميع، كان هذا عناد ظاهرا وجحدا لما يعلم بالإضطرار من دين الإسلام بل كفر صريح، فإنا نفهم من قوله: {إن الله بكل شيء عليم} معنى، ونفهم من قوله: {إن الله على كل شيء قدير} معنى ليس هو الأول، ونفهم من قوله: {ورحمتي وسعت كل شيء} معنى، ونفهم من قوله: {إن الله عزيز ذو انتقام} معنى، وصبيان المسلمين بل وكل عاقل بفهم هذا".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير