تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن خلال هذه المناقشة يمكننا أن نتبين منهج أهل السنة في تفسير آيات الصفات، فهم يصفون الله بما وصف به نفسه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، وإنما يمرون الآيات كما جاءت، وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير (701هـ/774هـ): "وأما قوله تعالى {ثم استوى على العرش} فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقال مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد الشافعي، وأحمد وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه وليس كمثله شيء {وهو السميع البصير}، بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبه الله بخلقه كفر، ومن

حجد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائض فقد سلك سبيل الهدى".

وعلى ذلك درج أهل السنة في تفسير آيات الصفات، وهو خلاف المنهج الذي اتبعه المعتزلة وغيرهم من المتكلمين والفلاسفةالذين حاولوا تنزيه الخالق عز وجل عن المشابهة للحوادث فوقعوا في المحظور، بأن نفو الصفات أو عطلوها. بل إن ابن تيمية يوضح أن المعتزلة قد وقعوا في التناقض عندما أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات:"وإن كان ممن يثبت الأسماء وينفي الصفات كالمعتزلة قيل له في الصفات ما يقوله هو في الأسماء. فإذا كان يثبت حيا عالما قادرا، وهو لا يعرف من هو متصف بذلك إلا جسما كان إثبات أن له علما وقدرة كما نطق به الكتاب والسنة".

ثم إن هذه المصطلحات التي استعملها المتكلمون والفلاسفة ليست مصطلحات إسلامية أصيلة، فيه لم تستعمل لا في القرآن ولا في السنة بالمعنى الذي نصوا عليه بل هي غير موجودة في اللغة بالمعنى الذي استعملوها به: "ومثل هذا لفظ المركب، والجسم، والتحيز، والجوهر، والجهة، والحيز، والعرض، ونحو ذلك، فإن هذه الألفاظ لم تأت في الكتاب والسنة بالمعنى الذي يريده أهل الإصطلاح، بل ولا في اللغة، بل هم يخصون بالتعبير بها عن معان لم يعبر غيرهم عنها بها، فتفسر تلك المعاني بعبارات أخر، وينظر مادل عليه القرآن من الأدلة العقلية والسمعية، وإذا وقع الإستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل".

كما بين ابن تيمية أن القول بالتجسيم قول مبتدع، وإن كان يقصد به تنزيه الله -سبحانه وتعالى- عن المشابهة للحوادث من جهة، والرد على ملاحدة الشعوب الوافدة الذين لازالت فيهم بقية من شوائب دياناتهم الوثنية. ذلك أن هذا التنزيه لم يأت على هدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يسمع مقالات اليهود التي يصفون فيها الله تعالى بصفات فيها نوع من التجسيم الصريح، ورغم ذلك لم يقل لهم إنكم مجسمون. ومن تم قام الدليل النقلي على فساد وبطلان هذا المنهج الذي اتبعه المتكلمون والفلاسفة وخاصة منهم المعتزلة:"ولهذا لم لما ذكروا المقالات الباطلة في الرب جعلوا يردونها بأن ذلك تجسيم، كما فعل القاضي ابو بكر في هداية المسترشدين وغيره، فلم يقيموا حجة على أولئك المبطلين، وردوا كثيرا مما يقول اليهود بأنهم تجسيم. وقد كان اليهود عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، وكانوا أحيانا يذكرون له بعض الصفات، كحديث الحبر، وقد ذم الله اليهود على أشياء كقولهم: {إن الله فقير} وإن يده مغلولة وغير ذلك، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم - قط إنهم يجسمون، ولا إن في التوراة تجسيما ولا عابهم بذلكن ولا رد هذه الأقوال الباطلة بأن هذا تجسيم كما فعل ذلك من فعله النفاة ".

وقد لاحظ أهل السنة أن هناك فرقا بين منهج المتكلمين ومنهج الفلاسفة في تفسير الذكر الحكيم، فالمتكلمون يقوم منهجهم على الأسس التالية:

1 - لا يجوزون الكذب على الأنبياء والرسل.

2 - يعظمون القرآن ويهتمون بتفسيره.

3 - يقرون بأن القرآن يشتمل على الأدلة العقلية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير