ولولا مشاركتهم للفلاسفة، وأخذهم عنهم في الأمور العقلية، ومخالفتهم لمنهج الأنبياء والرسل في الأمور الغيبية التي لا سبيل لمعرفتها وإدراكها إلا عن طريق الوحي، لكانوا أقرب ما يكون لأهل السنة.
وأما الفلاسفة فمنهجهم يقوم على الأسس التالية:
1 - لا يستدلون بما جاء به الرسل من وحي.
2 - الرسول لم يأت بعلم يستفيد منه الناس، وإنما خاطبهم خطابا جمهوريا واعظا ومذكرا.
3 - جوزوا الكذب على الأنبياء والرسل من أجل المصلحة.
4 - القرآن لا يشتمل على أدلة عقلية.
ومن ثم وجدنا الفلاسفة لا يعتنون بعلوم القرآن وتفسيره، ولا بالحديث وعلومه وحتى إن فعلوا ذلك فمن أجل أن يتعلق الناس بهم، لا لأنهم اقتقدوا صحته وضرورة الإهتداء بهديه، والإقتداء بنوره، وفي ذلك يقول ابن تيمية:
" إن أولئك القوم -الفلاسفة- من أبعد الناس عن الإستدلال بما جاء به الرسول، فإن الرسول بعث بالبينات والهدى، يبين الأدلة العقلية، ويخبر الناس بالغيب الذي لا يمكنهم معرفته بعقولهم، وهؤلاء المتفلسفة يقولون: إنه لم يفد الناس علما بخبره ولا بدلالته،وإنما خاطب الناس خطابا جمهوريا ليصلح به العامة فيعتقدوا في الرب والمعاد اعتقادا ينفعهم، وإن كان كذبا وباطلا. وحقيقة كلامهم أن الأنبياء تكذب فيما أخبرت به، لكن كذبا للمصلحة، فامتنع أن يطلبوا من خبرهم علما. وإذا لم تكن أخبارهم مطابقة للمخبر فكيف يثبتون أدلة عقلية على ثبوت ما أخبروا به ... ولهذا لا يعتنون بالقرآن ولا بتفسيره، ولا بالحديث وكلام السلف، وإن تعلموا من ذلك شيئا فلأجل تعلق الجمهور به ليعيشوا بينهم بذكره، لا لاعتقادهم موجبه في الباطن ".
ورغم هذه الفروق المنهجية بين المتكلمين والفلاسفة فإنهم أخطأوا جميعا في تفسير القرآن الكريم، ذلك أن مقصدهم من التفسير لم يكن نزيها. فهم يعتقدون معتقدات مخالفة لما في القرآن، ثم يحاولون حمل معاني القرآن عليها. وفي ذلك تقول الدكتورة فوقية حسين: "فإذا أردنا أن نتبين حقيقة موقف الزنادقة والجهمية وهم أسلاف المعتزلة، نجد أنهم يصدرون عن بضعة أفكار مستقاة من آراء ومعتقدات غريبة عن الإسلام، وهذا ما يتبين من واقع عرض ابن حنبل عندما يتحدث عن (السمنية) ولقائهم مع جهم ... ثم المعتزلة الذين ورد ذكرهم عند ابن حنبل ... فهؤلاء وإن لم يتعرض لذكر أصولهم كاملة إلا أنهم في وقته كانت أصولهم الخمسة تمثل النسق الفكري الذي يصدرون عنه عند مواجهتهم للعقائد، الأمر الذي يجعل وقفتهم تختلف في أساسها عن وقفة السلف، لأنهم لا يعطون مكان الصدارة للنص المنزل قرآنا كان أم سنة، وإنما يضعون في المقدمة نسقهم الفكري الذي يجيء النص المنزلة بعد ذلك من أجل الإستدلال به على صحته، الأمر الذي أخرجهم عن التفسير الصحيح، فجاء تأويلهم على غير تأويله".
وخطأهم لم يكن في الدليل وحده، أو المدلول وحده، بل أخطأوا فيهما معا. وخطأهم في الدليل جاء نتيجة صرفهم الآيات عن معانيها ومدلولاتها الحقيقية وذلك عن طريق تأويل اللفظ تأويلا مجازيا، أو لغويا، أو نحويا بحيث يصير متطابقا مع ما ذهبوا إليه، ومجافيا للسياق القرآني ولأيات أخرى تضمنت نفس اللفظ وأما الخطأ في المدلول فهو نتيجة طبيعية لمصادرة النصوص القرآنية أو النصوص من الحديث النبوي الشريف، بحيث يكون ما وصلوا إليه متعارضا تماما مع نصوص صريحة لا مجال لتأويلها.
وعدد ابن تيمية الفرق الكلامية التي أخطأت في الدليل والمدلول عند تفسيرها للقرآن الكريم فقال: "فالذين أخطأوا في الدليل والمدلول مثل طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذهبا يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة كسلف الأمة وأئمتها، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه.
ونم هؤلاء فرق الخوارج، والروافض، الجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم".
¥