تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحدهما أن يكون المعنى المذكور باطلا، لكونه مخالفا لما علم. فهذا هو في نفسه باطل، فلا يكون الدليل عليه إلا باطلا لأن الباطل لا يكون عليه دليل يقتضي أنه حق" (1). وهذا النوع "يوجد كثيرا في كلام القرامطة، والفلاسفة المخالفين للمسلمين في أصول دينهم، فإن من علم أن السابقين الأولين قد رضي الله عنهم ورضوا عنه علم أن كل ما يذكرونه على خلاف ذلك فهو باطل، ومن أقر بوجود الصلوات الخمس على كل أحد ما دام عقله حاضراعلم أن من تأول نصا على سقوط ذلك عن بعضهم فقد افترى. ومن علم أن الخمر والفواحش محرمة على كل أحد مادام عقله حاضرا علم أن من تأول نصا يقتضي تحليل ذلك لبعض الناس انه مفتر" (1).

وإذا علمنا أن ابن تيمية -رحمه الله- قبل تقرير هذه القاعدة مباشرة، كان يتحدث عن تفسير ابن عربي (560هـ/638هـ) ويبين بعض تفسيراته المنحرفة، التي بناها على اعتقاده بوحدة الوجود والحلول والإتحاد، ونظرية الولاية، ونظرية المقامات الصوفية (2)، تأكد لدينا أن هذا النص هو في الصوفية الفلسفية وإن لم يذكرهم صراحة، وإنما ذكر القرامطة وهم من غلاة الشيعة، وذكر الفلاسفة. ونحن نعلم أن التصوف الفلسفي أو النظري قد جمع في طياته بين الفكر الشيعي

الباطني الغالي (1)، وبين الفكر الفلسفي اليوناني والهندي والفارسي (2). ومن ثم فإن طريقتهم في التفسير هي طريقة الباطنية والفلاسفة نفسها.

مما يؤكذ ما ذهبنا إليه أن ابن تيمية قد خصص النوع الثاني من القاعدة التي قررها، للتفسير الصوفي الإشاري (3)، كما أنه بين أن هناك فارقا واحدا بين تفسيرات باطنية الشيعة والفلاسفة وبين الصوفية، وهو أن الأوائل -خاصة الروافض من الشيعة- يفسقون بل يكفرون بعض الصحابة، في حين أغلب الصوفية لا يفعلون ذلك: "وقد دخل في كثير من أقوال هؤلاء كثير من المتكلمين والمتصوفين لكن أولئك الفرامطة ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، وعامة الصوفية والمتكلمين ليسوا رافضة يفسقون الصحابة ولا يكفرونهم" (4). ثم يورد نماذج من تفسيرات باطنية الشيعة، وباطنية الصوفية، وباطنية الفلاسفة وهي تبين وحدة المنهج الذي اتبعوه في تفسير آي الذكر الحكيم، حيث يحملون القرآن على معتقداتهم وآرائهم وأذواقهم ومواجيدهم من غير أية قرينة تسمح بذلك: "وهؤلاء الباطنية قد يفسرون: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} (1) أنه علي، ويفسرون قوله تعالى: {تبت يدا أبي لهب وتب} (2) بأنهما أبو بكر وعمر، وقوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} (3)، أنهم طلحة والزبير، و {الشجرة الملعونة في القرآن} (4) بأنها بنو أمية.

وأما باطنية الصوفية فيقولون في قوله تعالى: {اذهب إلى فرعون} (5) إنه القلب، و {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} (6) إنها النفس، ويقول أولئك (7) هي عائشة. ويفسرون هم والفلاسفة تكليم موسى بما يفيض عليه من العقل الفعال أو غيره، ويجعلون {خلع النعلين} ترك الدنيا والآخرة، ويفسرون {الشجرة} التي كلم منها موسى {الوادي المقدس} ونحو ذلك بأحوال تعرض للقلب عند حصول المعارف له ... وباطنية الفلاسفة يفسرون الملائكة والشياطين بقوى النفس، وما وعد الناس به في الآخرة بأمثال مضروبة لتفهيم ما يقوم بالنفس بعد الموت من اللذة والألم، لا بإثبات حقائق منفصلة يتنعم بها ويتألم بها. وقد وقع في هذا الباب في كلام كثير من تأخري الصوفية لم يوجد مثله عن أئمتتهم ومتقدميهم " (8).

وإذا كان التصوف الفلسفي قد وصل مع ابن عربي (560هـ/638هـ) إلى أرقى مداه في البعد عن تعاليم الدين الإسلامي، والإيغال في الفلسفة اليونانية والمشرقية، فإنه بالتالي يمثل أحسن نموذج للتفسير الصوفي النظري. ومن ثم ركز ابن تيمية على تفسيراته المنحرفة للقرآن الكريم، والتي تستند إلى نظرته إلى الوجود، ومؤداه أن الله والعالم شيء واحد: "وهو (1) دائما يحرف القرآن عن مواضعه، كما قال في هذه القصة: {مما خطيئاتهم} (2) فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وهي الحيرة. {فأدخلوا نارا} (3) في عين الماء في المحمديين، {وإذا البحار سجرت} (4) سجرت التنور أوقدته {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا} (2). فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد وقوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}، فجعل معناه أنه قدر وشاء أن لا تعبدوا إلا إياه، وما قدره فهو كائن. فجعل معناه كل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير