لأننا بصدد الاستئناف الآن والعودة من جديد إن شاء الله تعالى في التاريخ عائدون ... سنعود من جديد وستعود الأمة من جديد ," بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ " رواه مسلم.
هذه العودة لابد من تسريعها للتعجيل بتخليص العالم ولا يمكن تسريعها إلا بالاهتداء في الأمر كله للتي هي أقوم. ولذلك لابد من اكتشاف واستخلاص واستخراج الهدى المنهاجي من باطن الوحي ليستبين السبيل وليستقيم ويرشد السير.
3 - كيف نستنبط الهدى المنهاجي؟
لا سبيل إلى ذلك بغير الدرس والتدارس للقرآن الكريم:
أما الدرس فهو الصورة الفردية النافعة لصحبة القرآن ولن تكون ربانيا عن الحقيقة بغير الدرس للقرآن "ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" ولكن الدرس وحده لا يفضي إلى كل النتائج المرجوة من صحبة القرآن.
وأما التدارس فهو الصورة الجماعة المثلى لصحبة القرآن كما جاء في الحديث الصحيح المشهور الذي تعرفون "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكره الله فيمن عنده ". رواه مسلم.
هذا الترقي في مقامات الفهم ومقامات العلم بالكتاب يبدأ بالتلاوة والتدارس فتنزل السكينة فإذا نزلت السكينة ازداد الإيمان "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا أيمانا مع أيمانهم" ثم يكون غشيان الرحمة وإذا غشيت الرحمة أذهبت الاختلاف و جاءت بالائتلاف " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك " ثم يكون حفوف الملائكة وإذ ترقى الأمر إلى درجة حفوف الملائكة وإحاطتهم بالمتدارسين أدت المصاحبة لملائكة إلى تخلق بأخلاق الملائكة " والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذي.
والدرجة الرابعة: ذكر الله "ولذكر الله أكبر"أن يتأهل العبد نتيجة عروجه في هذه المقامات إلى حال أن يذكر في الملا الأعلى عند الله تعالى كما ذكر الأنبياء قبل عليهم الصلاة والسلام.
هذا التدارس إذن هو أسرع طريق لاستخلاص هذا الهدى واستنباطه وهو الشرط الذي يشير إلى الجهد الجماعي المشترك الذي لا تحصل تلك النتائج كلها إلا بوجوده.
خامساً: أولوية الأعجاز العلمي.
الأولوية الثالثة هي أولوية إعجاز العلمي.
1 - ماذا أقصد بالإعجاز العلمي؟
أقصد بالإعجاز العلمي ما يكتشفه بعض العلماء في القرآن الكريم مما يستحيل أن يصدر عن غير الله إبان نزوله القرآن الكريم وأقول "اكتشاف" لأن أمر الإعجاز ليس أمرا استنباطيا ولكنه أمر اكتشافي إذ هو موجود في الكتاب.
فأي صاحب تخصص علمي اكتشف شيئا أو أمرا في كتاب الله عز وجل تبين له بحكم تخصصه أن هذا الأمر الذي تحدث عنه الكتاب نزوله يستحيل أن يكون من بشر فقد اكتشف إعجازا علميا أي أمرا يعجز غير الله أن يصدر منه.
ولا أقصد بالعلم هنا المفهوم المعاصر المقصور على مجال العلوم المادية كما هو شائع اليوم.
كلا ثم كلا , إنما هو العلم بمفهومه الواسع الذي يبتدئ من الوحي أصلا "ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم " ثم العلوم الشرعية بكاملها المستنبطة من الوحي ثم العلوم الإنسانية بصفة عامة ثم العلوم المادية.
فصاحب العلوم الشرعية يكتشف الإعجاز التشريعي إذا تضلع في مجاله وفي تخصصه وغيره يكتشف غير ذلك. وكذلك صاحب العلوم الإنسانية وصاحب العلوم المادية.
فالإعجاز العلمي الذي أقصده عام وعملية فه عامة وليس كما يستعمل اليوم في الإعلام وغير الإعلام.
2 - لماذا صار الإعجاز العلمي أولوية؟
ذلك لرد الناس إلى الله تعالى بأسرع طريق لأنهم حين يتبين لهم بوضوح أن هذا الأمر وذاك مستحيل أن يقوله محمد "ص" ولا العرب. بل لا هو ولا هم ولا غيرهم من الأمم إذاك يقتنعون أن هذا القرآن ليس من عند غير الله.
فمثلا وقف بعض علماء الأجنة عند قوه تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" تعجب من إشارة القرآن الكريم إلى هذه المرحلة العظيمة التي يمر بها الجنين فلا يبقى فيه إلا النسيج العظمي في الصورة الغضروفية أولا ثم بعد ذلك تكسى تلك العظام بأنسجة لحمية ثم ينفخ في الجنين بعد الروح فيصير خلقا آخر.
¥