تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقول الثاني في معنى ? أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ?: أكثرنا فساقها. ثم بيّن وجه هذا القول، ولم يبين موقفه منه. ([18])

وتوسع أبو حيان في ذكر القراءات، والأقوال التي قيلت في توجيهها، ونقل الكثير من أقوال من سبقه في ذلك، مع تعليقات واستدراكات، أكثرها على كلام الزمخشري فيما ذكره في تفسيره للآية.

ومما ذكره أبو حيان من أحكام، وتعليقات:

· الظاهر على القراءة المشهورة أن» أمرنا «من الأمر الذي هو ضد النهي.

· علّق على ما ذكره الزمخشري من كون القول الذي اختاره لا يحتاج إلى تقدير محذوف، بخلاف القول المشهور الذي يحتاج الكلام فيه إلى تقدير محذوف لا دليل عليه، ثم قوله: (لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز)؛ علق عليه بقوله: (وقوله "لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز" تعليلٌ لا يصح فيما نحن بسبيله بل ثَمَّ ما يدل على حذفه.

· في هذه الآية يستدل على المحذوف بنقيضه، ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير.

وبقية ما ذكره وافق فيه ابنَ عطية، والقرطبي من حيث عدم بيان موقفه منه، واقتصاره على النقل، والتعليق. ([19])

وتميّز ابن كثير بذكر القول الذي رجحه ابن القيم، مع الأقوال الثلاثة الأخرى التي نقلها المفسرون، إلا أنه لم يذكر ترجيحاً ولا اختياراً. وقد يؤخذ من طريقته في عرضه للأقوال ميلُه إلى القول الذي رجحه ابن القيم؛ لأنه بدأ به، وذكر الأقوال الأخرى بصيغ تدل التضعيف، مثل:» قيل «،» وقد يحتمل «. ([20])

وأما ابن عاشور فلم يذكر أقوالاً في معنى الآية، واقتصر في تفسيره لها على القول الأول من الأقوال الثلاثة المشهورة، فقال: (ومتعلق ? أَمْرُنَا ? محذوف، أي: أمرناهم بما نأمرهم به، أي بعثنا إليهم الرسول وأمرناهم بما نأمرهم على لسان رسولهم فعصوا الرسول، وفسقوا في قريتهم.).

ومما نبّه إليه في سياق تفسيره للآية: سبب تخصيص المترفين بالأمر؛ فقد ذكر علة هذا التخصيص بقوله: (وتعليق الأمر بخصوص المترفين مع أن الرسل يخاطبون جميع الناس؛ لأن عصيانهم الأمرَ الموجه إليهم هو سبب فسقهم وفسق بقية قومهم؛ إذ هم قادة العامة، وزعماء الكفر؛ فالخطاب في الأكثر يتوجه إليهم، فإذا فسقوا عن الأمر اتبعهم الدهماء، فعم الفسق أو غلب على القرية، فاستحقت الهلاك.) ([21])

وبعد هذا العرض يتبين أن القول الذي رجحه ابن القيم غير معروف عند أكثر المفسرين، بل لم أرَ من ذكره قبله منهم، وأول من رأيته ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أشار إليه في أكثر من موضع، وفي أحدها حكم عليه بأنه أظهر القولين في تفسير هذه الآية، ولم يزد على ذلك. ([22])

وقد ذكر الشنقيطي أشهر الأقوال في تفسير هذه الآية، وعدّ منها القول الذي رجحه ابن القيم، ثم رجح القول الأول من الأقوال الثلاثة السابق ذكرها في أول الدراسة، وذكر أنه الصواب الذي دلّ عليه القرآن، وعليه جمهور العلماء. قال: (وهذا القول الصحيح في الآية جار على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم: "أمرته فعصاني"، أي أمرته بالطاعة فعصى. وليس المعنى: أمرته بالعصيان كما لا يخفى.) ([23])

النتيجة:

الأقوال الثلاثة المشهورة في تفسير الآية كلها صحيحة مقبولة، ولا تعارض بينها؛ فالمختار حمل الآية عليها جميعاً، ويكون المعنى: إذا أراد الله إهلاك قرية – لعلمه السابق أنهم يكفرون – كثّر مترفيها، وجعلهم أمراء متسلطين، وأمرهم على لسان رسله والدعاة إلى دينه بالطاعة فعصوا، فتكون المعصية والفسوق غالبين؛ فإذا تحققت هذه المور مجتمعة حق عليها القول، فدمرها الله تعالى تدميراً. ([24])

وجميل ما قاله ابن العربي بعد ذكره لهذه الأقوال الثلاثة: (والقول فيها من كل جهة متقارب متداخل.) ([25])

وأما القول الذي رجحه ابن القيم فيبقى قولاً محدثاً في تفسير الآية، ليس له فيه سلف من أئمة التفسير المتقدمين فيما أعلم؛ ففي النفس منه شيء.

وكل الوجوه التي ذكرها لا تكفي لترجيحه؛ لأنها وجوه اجتهادية غير مسلمة. وقد ورد في سياق كلام المفسرين المذكور في أثناء الدراسة الجواب عن أكثرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير